إن استهداف الشخصيات الأحوازية، حتى وإن اختلفنا معها في الرأي، ليس من مصلحة القضية الأحوازية. بل على العكس، فإن استقطاب هذه الشخصيات هو الطريق الأكثر حكمة، حيث يمكن من خلاله توظيف منابرهم والتأثير على الجماهير التي تتبعهم لصالح القضية. بهذه الطريقة، يمكن تعزيز الدعم والوعي الشعبي للقضية الأحوازية، مما يسهم في تحقيق أهداف الشعب الأحوازي بشكل أكثر فعالية. عملية الاستقطاب تتطلب استراتيجيات مدروسة، ترتكز على بناء جسور من الثقة والتفاهم مع الشخصيات المؤثرة.
التركيز على استقطاب أبناء الشعب الأحوازي بجميع أطيافه، سواء في الداخل أو المهجر، لدعم القضية بشكل فعال ومنظم هو خطوة أساسية نحو تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في تحرير الأرض من السيطرة الخارجية ونيل حقوق الشعب الأحوازي. فعندما تستقطب شخصية مؤثرة، مثل شيخ قبيلة، فإنك تستقطب معه كل أفراد قبيلته الذين يتبعونه. وعندما تستقطب متحدثًا منبرًا، فإنك تجذب الآلاف من مستمعيه. وإذا نجحت في استقطاب فنان معروف، فإنك تبدأ في كسب دعم عشرات الآلاف من متابعيه. أليس من الأذكى أن تستقطب الشخصيات المؤثرة بدلاً من محاولة استقطاب متابعيهم فردًا فردًا؟
وعلى الجانب الآخر، ألا ترى أنه من غير الحكمة استهداف تلك الشخصيات المؤثرة؟ فإن ذلك لا يؤدي إلا إلى استفزاز عشرات الآلاف من متابعيهم، الذين قد يندفعون للدفاع عنهم بدافع التعصب أو رد الفعل الغاضب. هل مثل هذا النهج يخدم القضية الأحوازية أم يضر بها؟
هذا النوع من الاستقطاب يجب أن يقوم على مبادئ التسامح، الاحترام المتبادل، والحوار البناء. تعاليم الإسلام وتجارب التاريخ في الدعوة والنضال تقدم لنا دروسًا قيمة في كيفية التعامل مع الآخرين، حتى مع من يختلفون معنا في العقيدة. قال الله تعالى: “وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” الأنعام 108
تدعو هذه الآية إلى احترام معتقدات الآخرين وتجنب سب آلهتهم، لأن ذلك قد يدفعهم إلى سب الله بغير علم. هذه التعليمات تُعزز من قيم التسامح واحترام الآخر حتى في حالة الاختلاف في العقيدة. فإذا كان البعض يرى أن مذهب التشيع أو أي ديانة أخرى ليس هو الطريق الصحيح، فإنه لا يرقى الى المعتقدات الوثنية التي كانت في عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم). ومع ذلك، ينهى القرآن عن سب حتى آلهة الكفار، فكيف بأصحاب المذاهب الأخرى أو الشخصيات التي تحظى باحترام كبير بين أفراد الشعب الأحوازي؟
إن الابتعاد عن السب والاستهزاء بعقائد الآخرين، وتجنب شخصنة الخلافات، يعزز من وحدة الصف ويمنع الانقسام الذي قد يُضعف القضية. لقد كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) قدوة في كيفية التعامل مع الآخرين واستقطابهم للدعوة. عندما بدأ بالدعوة، واجه الكثير من الأعداء والمشككين، لكنه تعامل معهم بحكمة ولين. فعلى سبيل المثال، عندما تعرض الرسول للأذى من أهل مكة، لم يرد بالمثل، بل صبر وتحلى بالحلم. ونتيجة لهذا النهج الحكيم، نجح في جذب العديد منهم إلى صفوف المسلمين، حتى أصبحوا من أكبر قادة الجيوش والخلفاء فيما بعد.
لقد استخدم الرسول (صلى الله عليه وسلم) أسلوب الحوار والإقناع في نشر الدعوة الإسلامية، ولم يلجأ إلى العنف أو الإكراه أو السب أو الاستهزاء، وهي التصرفات التي قد يقوم بها البعض اليوم تحت شعار النضال من أجل القضية الأحوازية. فلو أن الرسول الأكرم استخدم الأساليب الهجومية التي نراها اليوم في بعض أوساط النضال الأحوازي، هل كانت الدعوة الإسلامية ستنجح في كسب قلوب وعقول الناس؟
تجارب التاريخ تؤكد فعالية أسلوب الاستقطاب الحكيم. فمثلاً، خالد بن الوليد، الذي كان من أشد أعداء المسلمين، أصبح بعد إسلامه من أبرز القادة العسكريين في الفتح الإسلامي.
في التسعينيات، نجح بعض المناضلين الأحوازيين في استقطاب الشخصيات المؤثرة لصالح القضية الأحوازية بهدوء وشفافية، من خلال تبادل الكتب وإجراء حوارات بناءة. شملت هذه الشخصيات الوجهاء، متحدثي المنابر، والشعراء، الذين أصبحوا يدعمون القضية بشكل فعّال. كانت هذه الفترة من أهم الفترات التي شهدت تطورًا ملحوظًا في تعزيز الوعي الأحوازي.
استخدم المناضلون أساليب مبتكرة في التواصل مع الشخصيات المؤثرة، حيث قاموا بتنظيم لقاءات وندوات تهدف إلى شرح أبعاد القضية الأحوازية وأهمية دعمها. وقد أسفر هذا النهج عن تحقيق نتائج إيجابية، حيث انضم العديد من الوجهاء والشعراء إلى صفوف الداعمين للقضية. من الأمثلة البارزة على ذلك، تعاون المناضلين الأحوازيين مع الشعراء لنظم قصائد تلهب حماس الجماهير وتزيد من الوعي بالقضية. كما أن الخطابات المؤثرة التي ألقاها متحدثو المنابر كانت لها دور كبير في كسب تعاطف الناس وتوعيتهم.
في النهاية، سواء كنت تعتبر نفسك مناضلاً يعمل من أجل القضية الأحوازية أو مجرد مهتم بها، عليك أن تدرك أهمية التوقف عن استهداف الشخصيات الأحوازية والعمل بدلاً من ذلك على بناء جسور التواصل معهم. استقطاب الشخصيات المؤثرة يمكن أن يكون مفتاحًا لتحقيق تقدم حقيقي في القضية، وذلك عبر تحويل قوة تأثيرهم إلى دعم فعّال للشعب الأحوازي وقضيته.