اخبار

بيان تحليلي حول حرب الاثني عشر يومًا بين إيران وإسرائيل

بيان تحليلي حول حرب الاثني عشر يومًا بين إيران وإسرائيل

مجموعة من النشطاء السياسيين الأحوازيين

بيان رقم 3

الأربعاء 25 حزيران/يونيو 2025

أولاً: جذور وأسباب الحرب
اندلعت المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل بعد عقود من الصراع غير المعلن، إلا أن جذورها تعود إلى ما بعد هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والذي شكل نقطة انعطاف حاسمة. رأت تل أبيب في ذلك الهجوم دليلًا على التهديد الذي يشكله “رأس الأخطبوط” الإيراني، فبدأت في التحضير لرد مباشر على الأراضي الإيرانية نفسها، لإنهاء ما اعتبرته مصدر التخطيط والتمويل.
تنبع هذه الحرب أيضًا من طبيعة النظام الإيراني نفسه؛ نظام قائم على أيديولوجية الإسلام السياسي الشيعي، ويتبنى معاداة اليهود كأحد مرتكزاته العقائدية، ما يجعل من العداء تجاه إسرائيل مكونًا عضويًا في رؤيته للعالم. كما أن سياسة تصدير الثورة وتأسيس جماعات مسلحة في العراق، ولبنان، وسوريا، واليمن، وفلسطين، كامتداد للنفوذ الإيراني في جوار إسرائيل، شكلت تهديدًا دائمًا زاد من فرص اندلاع حرب شاملة.
هذا، إلى جانب أن نظام ولاية الفقيه بطبيعته قائم على إنتاج الأزمات الخارجية، تسمح له بتبرير فشله الداخلي والتهرب من مطالبة الناس بحقوقهم.
الحرب كانت أيضًا وسيلة لتغطية الانهيارات الاجتماعية والاقتصادية، والإبقاء على التماسك الداخلي عبر العداء مع إسرائيل.

ثانيًا: إنجازات الحرب
رغم الكلفة البشرية والمادية، فإن هذه الحرب حملت إنجازات كبيرة للشعوب في إيران، أبرزها الانهيار الكامل للسرديات المركزية للنظام، مثل “لن تكون هناك حرب”، أو “قوة الردع الإيرانية تحمي البلاد”، أو تهديدات “إغلاق مضيق هرمز” أو “رفع أسعار النفط” في حال الهجوم على إيران. الحرب أثبتت أن إيران يمكن أن تُضرب في العمق دون أن تكون قادرة على الردع الفعلي.
انهارت العقيدة الأمنية للجمهورية الإسلامية، ومعها هيبة النظام الأمنية أمام مواطنيه. فالمؤسسات القمعية نفسها كانت هدفًا مباشرًا للهجمات، وفقدت الكثير من كوادرها وقياداتها، ما أدى إلى خلخلة داخل الأجهزة الأمنية، وخلق فراغات كبيرة في شبكات القمع الداخلي. هذا الانهيار أدى إلى تراجع قدرة النظام على قمع الاحتجاجات الداخلية، وفتح المجال أمام الحركات الثورية والشعبية في كل البلاد خاصة الأقاليم المضطهدة، خصوصًا إقليم الأحواز.
على المستوى الرمزي، أزمة الشرعية تعمقت أكثر من أي وقت مضى؛ اختباء المرشد علي خامنئي وعائلته خلال الحرب، ثم قبوله المهين بوقف إطلاق النار المقترح من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعدم فعالية الاستراتيجية العسكرية، وعدم مشاركة الميليشيات الوكيلة مثل حزب الله والحشد الشعبي، كلها عوامل زعزعت ثقة “المؤمنين بالنظام”.
كما أن الحرب قيّدت التهديد الإقليمي للنظام، مما قد يشجع الدول المتضررة من تدخلاته على دعم المعارضة الإيرانية. وقد أدى نقل المعركة إلى العمق الإيراني إلى تحويل المؤسسات القمعية إلى أهداف دائمة، وخلق حالة اشتباك داخلي بين من تبقّى من العناصر الأمنية وعناصر رفضت الاستمرار في خدمة النظام.
من بين الإنجازات كذلك انكشاف ضعف مشروع رضا بهلوي؛ فقد ثبت أن هذا المشروع لا يمتلك دعمًا شعبيًا حقيقيًا، وأن الشعوب الإيرانية تجاوزت فكرة العودة إلى النظام الملكي.
الهزيمة العسكرية كذلك دفعت إلى هروب جماعي لعناصر الأمن والحرس الثوري، ما أظهر أن النظام حين يُضرب في عمقه يفقد القدرة على تماسكه الذاتي، وأن تهديد حياة القامعين فعّال أكثر من العقوبات وحدها.

ثالثًا: أسباب عدم الاستغلال الأمثل للحرب
رغم هذه الإنجازات، فإن المعارضة الإيرانية، وخصوصًا الأحوازية، فشلت في استغلال اللحظة التاريخية. المعارضة تعاني من غياب القيادة الموحدة، وافتقارها إلى استراتيجية مشتركة، إلى جانب النزاعات والخلافات التنظيمية والسياسية بين الجماعات الأحوازية، والتي حالت دون إنتاج موقف موحد أو خطاب منسق.
من جهة أخرى، فإن غياب إعلام مستقل وفاعل يزيد من عزلة المعارضة، إذ إن معظم وسائل الإعلام الفارسية في الخارج تهيمن عليها نخب مركزية لا تعبّر عن الشعوب غير الفارسية، بل تعيد إنتاج سردية النظام بوجه “ديمقراطي ناعم”، ما عطل التواصل مع الجماهير في لحظة الأزمة.
أدى كذلك قطع الإنترنت من قِبل النظام إلى تعطيل العمل الميداني والتنسيق مع الداخل، وهو إجراء دأبت عليه الجمهورية الإسلامية خلال كل انتفاضة. هذا الحجب منع من نقل صور انهيار المؤسسات العسكرية والأمنية، وأخر تغطية ما حدث من تدمير واسع داخل البلاد.
والأهم، أن الحرب لم تكن تهدف إلى إسقاط النظام، بل إلى ضرب قدراته النووية والصاروخية والتوسعية، ما جعل الضربات الموجهة إلى مؤسسات القمع محدودة نسبيًا. لو كانت الضربات أكثر تركيزًا على الحرس الثوري والأمن الداخلي، لكان ذلك فتح المجال أمام الشعوب للثورة.

رابعًا: ماذا بعد الحرب؟
رغم وقف إطلاق النار، فإن “المواجهة ستستمر”. فطبيعة النظام الإيراني العقائدية لا تسمح بالتطبيع أو الانفتاح، مما يُبقي احتمال الحرب قائمًا. وسيُسهّل ذلك التعاون بين بعض أطراف المعارضة وإسرائيل، خصوصًا تلك التي ترى في استمرار النظام تهديدًا وجوديًا لها.
ومن المرجح أن “تستمر العقوبات الاقتصادية”، لأن المجتمع الدولي، حتى بعد الحرب، لن يثق في نوايا النظام الذي قد يعيد بناء برامجه النووية والصاروخية ويدعم الميليشيات بالوكالة. هذه العقوبات ستعمّق الأزمة الاقتصادية، وتزيد من مستوى السخط الشعبي.
أما في الداخل، فستكون هزيمة الحرب سببًا مباشرًا في “تصعيد القمع”، إذ لم يتبقَ للنظام سوى القبضة الحديدية. لكن للمرة الأولى، “تتزامن أزمة الشرعية مع تراجع كفاءة الأجهزة القمعية”، مما يعني أن الانتفاضات المقبلة قد تكون أكثر قدرة على إسقاط النظام، خاصة في الأقاليم التي تتراكم فيها مشاعر الظلم والتهميش.

خامسًا: ما العمل؟
تُظهر هذه الحرب أن المعارضة، بمختلف أطيافها، لم تكن مستعدة لهذه اللحظة، كما لم تكن مستعدة لانتفاضات 2017، 2019، و 2022. لذا يجب “صياغة خطة استراتيجية عملية” للاستفادة من لحظات الانهيار المقبلة.
وينبغي التفكير في “إنشاء منصات إعلامية” مخصصة وموجهة للتواصل مع الداخل، خاصة أثناء الأزمات، واستخدام تقنيات بديلة لتجاوز قطع الإنترنت.
كما يجب “سد الفراغ القيادي” في أوساط المعارضة الأحوازية عبر بناء أطر مرجعية سياسية تتحدث باسم الشعب وتمثله بشكل وطني وعقلاني.
ويجب على المعارضة أيضًا أن تبني “آليات تنظيمية” داخل البلاد تسمح بتحريك الشارع حين يكون النظام مشغولًا بالحرب أو الأزمات. وهذا يشمل بناء شبكات محلية وتنظيمات أفقية يمكن تفعيلها في اللحظات المناسبة.
وفي الختام، فإن الضرورة تفرض “تقاربًا عمليًا بين القوى الثورية والقوى الميدانية” داخل البلاد. وعلى النشطاء الأحوازيين أن يتفاعلوا مع باقي قوى المعارضة الميدانية، ويستفيدوا من تجاربهم، لتشكيل جبهة حقيقية تقود التغيير القادم في إيران.

المجد للشعوب المظلومة،
والحرية والكرامة والعدالة للجميع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى