القضية الأحوازية تُعَدُّ من القضايا الحيوية في العالم العربي، حيث يسعى الشعب الأحوازي لنيل حقوقه الوطنية والإنسانية في مواجهة الاحتلال والتمييز والاضطهاد. هذه القضية تتطلب وحدة الصفوف وتكاتف الجهود، لكن مع الأسف، ظهرت ظاهرة استعلاء لدى بعض الأحوازيين في تناولهم للقضية، مما سيؤدي إلى تعميق المشكلات الداخلية بينهم. يتناول هذا المقال بالتفصيل ظاهرة الاستعلاء والأبوة المزيفة في المجتمع الأحوازي، أسبابها، تأثيرها، ويقدم مقترحات لحلول عملية.
في السنوات الأخيرة، شهد المجتمع الأحوازي بعض الأفراد الذين يتحدثون عن القضية الأحوازية بنبرة استعلاء، معتبرين أنفسهم الأجدر والأكثر معرفة بالتحدث عنها. مع مرور الوقت، برزت مجموعة أخرى تتبنى أسلوبًا أبويًا في تناول الأحداث الوطنية، وكأنهم الأوصياء على الشعب الأحوازي. الآن، تفاقمت الأمور ليصل البعض إلى درجة يمكن وصفها بالألوهية، حيث يعتبرون أنفسهم كآلهة لهم الحق في معاقبة الآخرين، رغم افتقارهم للشرعية من قبل الأحوازيين في الداخل أو المهجر وعدم امتلاكهم أي سلطة حقيقية أو قوة تُذكر. هذا الاستعلاء والأبوة المزيفة يؤديان مشكلات أعمق في بنية المجتمع الأحوازي ويؤثران سلبًا على النضال الجماعي.
أسباب الظاهرة:
1- التراث العائلي
بعض الأفراد يستندون إلى تاريخ عائلاتهم أو تاريخ قبائلهم في النضال أو الحكم كذريعة لاستعلاءهم على الآخرين. على الرغم من أن هذا التراث قد لا يكون له تأثير كبير في الحاضر، إلا أن هؤلاء الأفراد يستخدمونه كوسيلة لإبراز أنفسهم وكأنهم يحملون مفتاح الحلول لجميع المشكلات. قد يشعرون بأن لديهم الحق في توجيه الشعب الأحوازي بناءً على ما يعتبرونه “شرعية” نابعة من ماض محنط.
2- الفراغ القيادي
غياب قيادة حقيقية وموحدة للنضال الأحوازي خلق فراغًا حاول البعض ملؤه من خلال التصرف باستعلاء وأبوية. هذا الفراغ سمح للأفراد الذين يمتلكون بعض الشهرة أو الصوت العالي بالاستيلاء على منصات الحديث أو منصات التواصل الاجتماعي والتحكم في الخطاب العام. هؤلاء الأفراد، بدلاً من السعي لتوحيد الصفوف، يسعون لتعزيز مكانتهم الشخصية على حساب المصلحة العامة.
3- التعليم والثقافة
تفاوت مستويات التعليم والثقافة بين الأحوازيين أدى إلى شعور البعض بالتفوق على الآخرين. هذا التفوق المتصور يدفعهم للتحدث بنبرة استعلائية والتصرف وكأنهم أصحاب الحق المطلق في توجيه الآخرين ومعاقبتهم. يشعر هؤلاء الأفراد بأنهم يحملون الفهم الأعمق والأكثر دقة للقضية، مما يبرر، في نظرهم، تعاملهم الفوقي مع الآخرين.
4- العوامل النفسية
الرغبة في السيطرة والشعور بالأهمية يدفعان بعض الأفراد للتصرف وكأنهم الأوصياء على الشعب الأحوازي. هذا السلوك يعكس احتياجًا نفسيًا للشعور بالقوة والتأثير، حتى وإن كان ذلك على حساب الوحدة والتضامن. قد يكون هذا السلوك نابعًا من شعور داخلي بالضعف أو الرغبة في إثبات الذات أمام الآخرين.
5- وسائل التواصل الاجتماعي
وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت منصة متاحة للجميع، سواء العالم أو الجاهل، المثقف أو غير المثقف، الأشخاص الذين يتمتعون بصحة نفسية عالية والذين يعانون من مشكلات نفسية. هذه المنصة سمحت بظهور العديد من الأصوات التي تتحدث عن القضية الأحوازية، مما أدى إلى تباين واسع في الآراء والتوجهات. بينما يمكن أن تكون هذه المنصات أداة قوية لنشر الوعي والتواصل، إلا أنها أيضًا تُستَخدَم في كثير من الأحيان لنشر الأفكار الاستعلائية ومحاولة السيطرة على الخطاب العام. الأفراد الذين يعانون من مشكلات نفسية قد يستخدمون هذه المنصات للتعبير عن إحباطهم بطرق تؤدي إلى تفاقم الانقسامات والتوترات.
تأثير الظاهرة
1- التفكك الداخلي
تصرفات الاستعلاء والأبوية تؤدي إلى انقسامات حادة داخل المجتمع الأحوازي، مما يضعف من قوة النضال. بدلاً من التركيز على العدو المشترك والسعي نحو حقوقهم، ينشغل الأحوازيون بالصراعات الداخلية والتفكك. هذا التفكك يعرقل أي جهد جماعي ويجعل من الصعب تحقيق أهدافهم المشتركة.
2- الإحباط واليأس
يشعر الكثير من الأحوازيين بالإحباط واليأس عندما يرون بعض الأفراد يتصرفون وكأنهم آلهة. هذه التصرفات تولد شعورًا بالعجز وفقدان الأمل في تحقيق الأهداف المشتركة. الأحوازيون الذين يشعرون بأن أصواتهم لا تسمع ولا تقدر بسبب استعلاء البعض قد يتراجعون عن المشاركة في النضال.
3- فقدان الثقة
تفقد الجماهير ثقتها في قادة النضال عندما ترى هذه التصرفات الاستعلائية. الثقة هي عنصر أساسي لأي حركة نضالية، وفقدانها يعني تراجع الدعم والتأييد الشعبي. بدون ثقة، لا يمكن لأي حركة تحررية أن تنجح في تحقيق الأهداف أو توحيد الصفوف.
4- إضعاف القضية
بدلاً من التركيز على النضال المشترك، تتحول الأنظار إلى الصراعات الداخلية، مما يضعف من تأثير القضية الأحوازية على المستوى الدولي والمحلي. هذه الانقسامات تقلل من قدرة الأحوازيين على إيصال صوتهم ومطالبهم بشكل موحد وقوي. الاهتمام بالصراعات الداخلية بدلاً من العدو الخارجي يجعل القضية تبدو متشعبة وغير متماسكة أمام المجتمع الدولي.
5- أمثلة واقعية
من الأمثلة على ذلك، تصريحات بعض النشطاء في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تعد أبرز الأمثلة على هذه الظاهرة. يظهر هؤلاء الأفراد استعلاءً واضحًا ويعتبرون أنفسهم الأوصياء الوحيدين على القضية، ويحاولون معاقبة الآخرين أو نعتهم بعبارات مهينة على تصرفاتهم دون أن يكون لهم أي سلطة حقيقية أو أن يكون لديهم أي تخويل من قبل الشعب الاحوازي. هذا السلوك يعكس مدى تفشي ظاهرة الاستعلاء والأبوة المزيفة داخل المجتمع الأحوازي.
الحلول والمقترحات:
اولا- تعزيز الوحدة والتضامن
يجب على الأحوازيين العمل معًا وتجاوز الفروقات الشخصية والتاريخية. الوحدة والتضامن هما الطريق لتحقيق الأهداف المشتركة. يجب أن تكون هناك جهود مشتركة لتعزيز الروح الجماعية والتركيز على الهدف الأكبر. هذا يمكن تحقيقه من خلال تعزيز الحوار المفتوح والصادق بين جميع الأطراف وإيجاد أرضية مشتركة للتعاون.
ثانيا- التوعية والتثقيف
نشر الوعي حول أهمية التواضع والاحترام المتبادل في النضال أمر ضروري. يجب أن تكون هناك حملات توعية وبرامج تثقيفية تركز على قيم التعاون والتضامن وتوضح مخاطر الاستعلاء والأبوة المزيفة. التثقيف يمكن أن يكون من خلال الندوات وورش العمل التي تركز على تاريخ النضال وأهمية الوحدة والتضامن.
ثالثاً- المساءلة
يجب محاسبة الأفراد الذين يتصرفون باستعلاء. المساءلة تعني التأكد من أن كل شخص يتصرف بمسؤولية واحترام تجاه الآخرين، وأنه لا أحد فوق النقد أو القانون. يجب إنشاء لجان رقابية تتابع سلوك الأفراد وتعمل على محاسبة من يتجاوز حدود الاحترام.
الخاتمة
القضية الأحوازية تستحق التكاتف والتضامن من الجميع. يجب على الأحوازيين تجاوز أي استعلاء أو أبوية والعمل معًا لتحقيق أهدافهم المشتركة. العمل المشترك والتواضع هما الطريق لتحقيق العدالة والحرية للشعب الأحوازي. فقط من خلال الوحدة والتعاون يمكن للشعب الأحوازي تحقيق حقوقه والنهوض بقضيته على الساحة الدولية. تعزيز الوحدة والتضامن، التوعية، المساءلة هي الخطوات الأساسية للتغلب على ظاهرة الاستعلاء والأبوة المزيفة وضمان نجاح النضال الأحوازي.