دون شك إن الشيخ خزعل الكعبي كان أحد أبرز الشخصيات العربية في منطقة الخليج العربي وكان اميراً للأحواز العربية (عربستان) خلال فترة حكمه في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
تولى قيادة الإمارة / دولة الأحواز وتمكن من بناء علاقات قوية مع القوى الأجنبية، خاصة بريطانيا، والتي اعترفت به كحاكم شرعي للمنطقة، لكن دوره السياسي والاجتماعي لم يكن خالياً من التحديات والانتقادات، لاسيما من قبل بعض الجهات الدينية التابعة للنظام الايراني الصفوي التي كانت تعارض وجوده، لأنه كان يهدف الى فرض سيادته على الأحواز قاطبة وضمها الى محيطها العربي الذي يمثل عمقها الاستراتيجي، وتمكن الشيخ خزعل من إستدامة الاستقلال لدولة الأحواز (الإمارة) التي كانت تتخذ من المحمرة عاصمة لها.
تسمية الحرس الامير ب”غلمان شيخ خزعل”
بكل تأكيد اذا قرأنا التاريخ الأحوازي بتمعن والمناوشات التي حصلت بين الفينة والاخرى بين إمارة المحمرة ولاحقًا (الأحواز- عربستان) مع اطراف خارجية، نستنتج ان لشيخ خزعل كانت قوات عسكرية خاصة تدافع عن المنجزات والحدود الطبيعية للإمارة، كما إن الشيخ خزعل والقوات العسكرية التابعة له كان لها القدرة الكافية لفرض نفسها على القبائل العربية المتواجدة في هذه الارض العربية وكذلك من إبرام معاهدة مع بريطانيا التي تعتبر القوى الصاعدة في الخليج العربي وعقد تحالف مشترك يقي الإمارة التعديات والتحديات المجاورة، والاطماع الفارسية والعثمانية المستمرة.
لذا السياسة التي كان يتبعها الشيخ لاتروق لأصحاب الأطماع الايرانيين حيث كانت عيونهم دائما على البوابة الشرقية للوطن العربي وهي الأحواز ثم العراق وأمتنا العربية بشكل عام، وكما هو معروف إن الأحواز تعتبر السد المنيع امام التمدد الايراني في حال استقرت وحازت على استقلالها.
وبما إن الأحواز والدولة الفارسية الايرانية الصفوية كانتا تشتركان في نفس المذهب لذا استعملت الدولة الفارسية في تلك الفترة، آلتها الإعلامية المتمثلة بمراجع الدين الصفويين، بإعتبارهم الجهة المسموعة شعبياً انذاك لتشكل الرأي العام وتوجيهه ضد الشيخ خزعل وحرسه الأميري بغية النيل من الجيش الذي كان يدافع عن الامارة العربية وتشويه سمعته بين العامة والحط من قدره.
اذن تسمية حرس الأميري لشيخ خزعل بـ”غلمان” لم تكن عشوائية، بل كانت جزءاً من استراتيجية مدروسة لتحقير وتقليل شأن هؤلاء الجنود الشجعان الذين قادوا ثورة خلدها تاريخنا الاحوازي وقلل اللاحقون من شعبنا من شأنهم للاسف الشديد بإبتلاعنا الطعم الذي روجه المحتل واعوانه من المراجع الذين صادفوا ايام حكم الشيخ خزعل.
كلمة “الغلمان” في السياق اللغوي تعني “الفتيان” أو “الخدم”، وكذلك في ثقافتنا الاحوازية عندما تقول “غلمان” يتبادر في الذهن “العبد” واستخدامها وترويجها كان يهدف إلى التقليل من مكانة الحرس وإظهارهم كأشخاص بلا قيمة، هذا التشويه لم يكن موجهاً فقط للحرس، بل كان أيضاً استهدافاً لشيخ خزعل نفسه ولمواقفه العروبية.
لذا نعتقد ان المراجع الدين الصفوي الذين عاصروا حكم الشيخ خزعل، استهدفوا الشيخ خزعل وحرسه لأسباب سياسية ودينية، الشيخ كان رمزاً للمقاومة ضد السيطرة الفارسية، وحاول في فترة حكمه ان تكون الاحواز ( عربستان) إمارة مستقلة ومواقفه العروبية كانت تشكل تحدياً لسياسات الهيمنة الثقافية والسياسية للنظام الإيراني انذاك، إذ أن القوات التابعة للشيخ كانت رمزاً للمقاومة ضد السيطرة الفارسية، وتسميتها بال”غلمان” كانت تهدف إلى تصويرهم كخدم أو عبيد بلا قيمة يتبعون سيدهم حيثُ شاء، ونجد إن هذا التحليل أقرب للحقيقة قد وقع فيه شريحة كبيرة من ابناء شعبنا، لكثرة ترويجه من قبل دولة الاحتلال ومراجعها لتشويه تاريخنا وثوارنا الابطال وتاريخنا العريق.
كما إن تشويه سمعة الثوار و المقاومين كانت ومازالت استراتيجية يستخدمها المحتلون والمستبدون لتحقيق عدة أهداف، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولاً. إضعاف الدعم الشعبي وتقويض شرعية الشيخ خزعل
تشويه السمعة يهدف إلى قطع أو تقليل الدعم الشعبي للمقاومين والثوار وذلك من خلال نشر الأكاذيب والمعلومات المضللة عنهم، وبهذه الطريقة يحاول المحتل تقليل تأثيرهم وإضعاف ثقة المجتمع فيهم، وهذا ما رأيناه بعد اعتقال الشيخ ونقله إلى طهران وصمت الكثير من قبائل بسبب تابعيتهم لتلك المراجع المزروعة واستماع شريحة كبيرة من الجماهير للتشويه الذي تعرض له حاكم المحمرة الشيخ خزعل، كما لا يخفى على المتابع ان العامل القبلي سهل ترويج تلك الإشاعات الباطلة على الشيخ وجيشه الخاص، أدى في نهاية المطاف إلى نزع الشرعية عن الشيخ وكذلك الجيش الذي كان قد فرض سلطة عربية في الأحواز.
ثانياً: زرع الانقسام وتدمير الروح المعنوية
التشويه الذي تعرض له الشيخ خزعل وكل الذي يدور في فلكه رسخ الشكوك والانقسامات بينه وبين القبائل العربية في الأحواز وبطبيعة الحال أدى ذلك إلى تدمير الروح المعنوية للثوار وأنصارهم.
وهناك امثلة كثيرة في تاريخنا العربي حيث تقوم الدول المحتلة بتشويه مقاومة الشعوب الرازحة تحت الاحتلال وتسميتها ب”الإرهابية” كما حاصل حاليا في فلسطين، وكذلك تسمية الثوار والمقاومين في الجزائر بال”متطرفين والعنيفين”، وفي الأحواز العربية المحتلة في عصرنا الحديث حيث أتهم المقاوم والثوري الاحوازي بالناصري والبعثي الصدامي والسلفي وأخيرا بالدعشنة حتى يبرر المحتل والمستبد سياساته القمعية ضدهم.
في الختام، يتجلى دورنا كأبناء الأحواز في تصحيح المفاهيم المغلوطة والتسميات التي طالت رموزنا الوطنية وأبطال ثورتنا، ومن بينهم الحرس الأميري الخاص للشيخ خزعل، ثم إن الدفاع عن تاريخنا ومقاومينا الابطال هو واجب مقدس يتعين علينا أداؤه بصدق وأمانة، حتى وإن مرت عقود طويلة على أحداثهم وثوراتهم، كما إن الحفاظ على إرثهم وإعطائهم حقهم في ذاكرة شعبنا العربي الاحوازي يعزز من هويتنا ويعزز من عزيمتنا في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.