
بيان حول الوضع في إيران بعد الحرب الاثنى عشر يوم
مجموعة من النشطاء السياسيين الأحوازيين
بيان رقم 4
الثلاثاء 1 تموز/ يوليو 2025 م.
بعد فشل جميع المساعي الإصلاحية في إيران، وقمع جميع الاحتجاجات النقابية والشعبية السلمية، فإن السبيل الوحيد لتغيير الوضع الراهن في إيران هو الاعتماد على استراتيجية “عدو عدوي صديقي”. في الوضع الراهن، لم يعد هذا الشعار تعبيرًا عن تكتيك سياسي مرحلي، بل ضرورة وجودية للخلاص من نظام شمولي كارثي يستمد شرعيته من الغيب، لا من إرادة الناس. لسنا واهمين لنعتقد أن سقوط النظام على يد قوى خارجية أو عبر دعمها سيقود تلقائيًا إلى الديمقراطية، لكننا نؤمن بأن ذلك قد يُسقط العائق الأكبر الذي حال دون أي تحول ديمقراطي طوال العقود الماضية، وهو نظام ولاية الفقيه الذي أقام دولة فوق الدولة، وأجهض كل مسار للإصلاح أو الانفتاح. وفي اليوم الذي يُكسر فيه هذا الحاجز، ستكون مسؤولية استكمال الطريق على عاتق الشعوب في إيران والمعارضة الديمقراطية، التي عليها أن تملأ الفراغ السياسي الناتج عن سقوط النظام، وأن تمنع تحول هذا الفراغ إلى فوضى أو عودة أشكال جديدة من الاستبداد.
لقد أخفقت المعارضة الإيرانية، ومعها مختلف فئات المجتمع، في إسقاط هذا النظام رغم خمسين عامًا من التضحيات والخسائر، سواء في الأرواح أو في الموارد الاقتصادية والبشرية. والأسوأ من ذلك أن كل موجة احتجاج أو محاولة إصلاح انتهت بتمكين النظام أكثر، إذ قابلها بمزيد من التشدد، وأمعن في الإعدامات، ووسّع من قبضته الأمنية، وعمّق من سيطرة الحرس الثوري والأجهزة الأمنية على كافة مفاصل الدولة. لقد أفرغ النظام مؤسسات الدولة من معناها، واستبدلها بجهاز قمعي طائفي، وأغرق البلاد في الفقر، وحوّل المواطنة إلى خضوع، والهوية إلى ولاء لمرشد لا يُحاسب. والآن، وبعد هزيمته في الحرب الأخيرة، تقف إيران في مرحلة شبيهة بتلك التي دخلها نظام صدام حسين بعد هزيمته عام 1991، حين انكشفت بنيته أمام شعبه والعالم، وبدأت مؤشرات السقوط تتسارع.
حرب غير تقليدية
لقد كشفت حرب الأيام الاثني عشر بين إيران وإسرائيل عن خلل هيكلي عميق في النظام الإيراني، ليس فقط في قدرته العسكرية، بل في بنيته الاستخباراتية ومناعته الأمنية. لقد فشل النظام في حماية قلب دولته، رغم كل مزاعمه حول الردع، وتم اختراق مراكزه الحساسة وتفكيك منظومته الدفاعية بعمليات مركزة ودقيقة. لم تكن هذه حربًا تقليدية بل نموذجًا معاصرًا لما تعنيه الحرب الحديثة في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، حيث لم يعد تفوق العدد والعتاد يكفي، بل صار التفوق في المعلومات والتخطيط والخداع العملياتي هو الحاسم. كانت هذه الحرب ضربة استراتيجية لمؤسسة الحرس الثوري، وقد تمت دون أن تُلحق أذى يذكر بالبنية التحتية، ما كشف كذب دعاية النظام عن “العدوان الواسع” وأظهر هشاشة شعاراته عن الصمود.
انهيار اقتصادي محتمل
على المستوى الاقتصادي، لا تزال إيران ترزح تحت وطأة عقوبات خانقة، فاقمتها السياسات الرعناء لقيادتها. ورغم وجود فرصة لتخفيف تلك العقوبات عقب انتهاء الحرب، إلا أن تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي المضللة، التي ادعى فيها تحقيق “انتصار استراتيجي”، أجهضت أي حوار حقيقي. تعنّت النظام وإصراره على لغة المكابرة سيكلفه الكثير، فقد أشار مسؤولون أمريكيون إلى أن نافذة الحوار قد تُغلق نهائيًا، وقد تُفرض عقوبات أشد إن لم تُبدِ طهران مرونة. بمعنى آخر، فإن النظام يحاصر نفسه بلغة الشعارات الفارغة، في حين يتفاقم الانهيار الاقتصادي داخليًا.
تحذير أوروبي
وفي السياق الدولي، بدأت أوروبا تحذر علنًا من إمكانية تفعيل “آلية الزناد” ضد النظام الإيراني، وهي آلية قانونية تعني إعادة فرض كل العقوبات الدولية السابقة تلقائيًا. هذا التهديد يعكس إرادة متنامية في الغرب بضرورة مواجهة المشروع الإيراني دون مواربة. وإذا استمر النظام في رفضه التفاوض بشأن برنامجه النووي وسلوكياته الإقليمية، فإن المواجهة الاقتصادية والسياسية ستتخذ أبعادًا أشد قسوة، وستفقد طهران أي فرصة للالتفاف على العزلة الدولية.
إجراءات النظام الانتقامية
ولأن الأنظمة الشمولية تعوّدت على مواجهة الأزمات بالقمع، فقد لجأ النظام الإيراني بعد الحرب مباشرةً إلى إجراءات انتقامية في الداخل. طالت حملات الاعتقال مئات المواطنين في مختلف أنحاء البلاد، وتم تنفيذ إعدامات بحق من وُصفوا بأنهم “عملاء للموساد”، دون أدلة قانونية أو محاكمات عادلة. تم قطع الإنترنت من جديد، وحظر شبكات التواصل الاجتماعي، وتكثيف الخطاب التعبوي الذي يصور إيران كضحية لمؤامرة دولية. إن هذه الإجراءات ليست دليل قوة بل علامة انهيار داخلي، تدل على أن النظام بات يشعر بضعف قبضته وخوفه من انبعاث الغضب الشعبي.
إختفاء خامنئي
المؤشر الأوضح على هذا الخوف تمثّل في اختفاء خامنئي عن المشهد العام منذ بداية الحرب. فحتى بعد أسبوع من وقف إطلاق النار، لم يجرؤ خامنئي على الظهور العلني أو إلقاء خطاب مباشر، وهو ما يدل على هشاشة الوضع الأمني في قلب النظام، وعلى أن قدرة إسرائيل على الوصول إلى أعلى دوائر السلطة باتت حقيقية. هذا في حين كان المسئولين الاسرائيليين اثناء الحرب يتفقدون شوارع مدنهم والأماكن المتضررة من الهجمات الإيرانية. حين لا يشعر المرشد الأعلى بالأمان في بيته، فهذا يعكس انهيارًا في الثقة الأمنية، ويعني أن رأس النظام نفسه صار هدفًا محتملاً، وأن دائرة الخطر لم تعد محصورة في الأطراف بل طالت المركز ذاته.
الصدام مع المنظمات الدولية
ورغم كل هذه التطورات، لا يزال مسؤولو النظام يكرّرون الخطاب القديم ذاته. لا اعتراف بالفشل، ولا مراجعة للمواقف، بل تأكيد على الاستمرار في المشروع النووي، والتشكيك في نوايا الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واتهام أمين عام الوكالة رافائيل غروسي بالتحيز. مثل هذا الخطاب يزيد الفجوة بين الوكالة والمنظمات الدولية الأخرى من جهة ونظام الملالي من جهة أخرى، ويضع طهران في مواجهة مفتوحة مع أوروبا وأمريكا، ويزيد من احتمال انفجار صراع جديد، ربما يكون هذه المرة أكثر شمولًا وأوسع دمارًا، خاصة إذا استمر النظام في رفض أي تغيير حقيقي في سلوكه.
سقوط الردع الإيراني
من بين أبرز نتائج هذه الحرب، وأكثرها تأثيرًا في مستقبل النظام، هو ما تحقق من سيطرة إسرائيل على الأجواء الإيرانية. لم تعد سماء إيران آمنة للنظام، وصارت طهران تشبه بيروت وغزة من حيث قابلية الاستهداف دون سابق إنذار. هذا التحول يعكس تفوقًا جويًا واستخباراتيًا مطلقًا لإسرائيل، ويمثل ضربة لمفهوم الردع الإيراني، الذي طالما استند إلى وهم الحصانة الجغرافية. لم يعد هذا الوهم قائمًا. ستضطر المؤسسة العسكرية الإيرانية إلى إعادة النظر في عقيدتها الدفاعية بالكامل، وستضعف المؤسسة القمعية تدريجيًا، مما سيعزز فرص اندلاع احتجاجات كبرى تُسقط النظام من الداخل.
الأحواز وتداعيات الحرب
أما على صعيد الأحوازي، فقد كشفت الحرب عن تغير جذري في قواعد الاشتباك. فخلال الهجمات المركزة، لم يُصب المدنيون في الأحواز بأي أذى يُذكر، ولم تُستهدف المرافق المدنية. في المقابل، تعرضت مقرات الحرس الثوري، ومراكز الاستخبارات، والثكنات الأمنية لضربات قاسية ودقيقة. هذه المفارقة لها دلالة استراتيجية: أعداء النظام الإيراني يسعون لضرب وإضعاف الأجهزة التي لها الدور الأساس في قمع الناس تمهيداً لاسقاط النظام عن طريق الانتفاضات الشعبية. وهو ما يجعل من الضروري أن تتهيأ القوى السياسية الأحوازية لمواكبة هذا التحول، عبر تنظيم صفوفها، وتوسيع تحركاتها، وتكثيف الجهد الإعلامي والسياسي داخل وخارج الإقليم، بما يتيح لها استغلال هذا الظرف التاريخي لإضعاف أدوات القمع في الإقليم.
إن نظام الملالي لم يعد ذلك النظام القوي المسيطر كما كان يُصدّر صورته. لقد تراجع قدراته، وتكشف عورته أمام الداخل والخارج. ومن هنا، فإننا في هذه اللحظة المفصلية نؤكد أن الشعوب التي صبرت عقودًا، ومنها الشعب الأحوازي، يجب أن تنهض الآن لتكون في طليعة التغيير، ولتؤكد أن ثمن الحرية مهما كان غاليًا، يظل أهون من استمرار العبودية تحت قبضة الطغاة.
الحرية والعدالة والديمقراطية لجميع الشعوب
ليسقط الظلم والتمييز والاستبداد الطائفي.