المقالات

من العجز الفكري…. إلى الفوضى الفكرية

طالب المذخور

من الطبيعي أن لايستيطع مجتمعا ما الإنتقال من حالة جمود فكري إلى حالة إبداع فكري بدون المرور في حالة الفوضى الفكرية،ففي الوقت الذي استطاع فيه عدد من الشعراء المبدعون في الساحة الاحوازية وبعض الفنانون الإنتقال بشكل نوعي قل نظيره في تاريخ الشعوب من مرحلة الخمول إلى الإبداع لم تستطع القوى السياسية من السير بنفس الركب، وأعتقد أن للنجاح الباهر أسبابه وللخيبة أسبابها أيضا .

فقد تكون التضحيات الجسيمة التي قدمها أبناء الشعب العربي الاحوازي في الاونة الاخيرة خصوصا لها تأثيرها المباشر على أبداع الشاعر والفنان ،بينما لازالت لم تهز كيان البعض بعد .
فحالة الفوضى الفكرية تشبه لحد كبير حالة سن المراهقة وتداعياتها والتي تعتبر أولى مراحل النضوج.وهذا يعني أن هذه المرحلة هي ليست مرحلة سلبية تماما وإنما حالة طبيعية تفرضها ظروف المرحلة .
فالحالة الفكرية التي تمر بها الان قضيتنا الأحوازية..دخلت في فوضى عارمة وهي غير قادرة على تحديد مسارها بدقة،وأرى ان التشرذم هي من سمات هذه المرحلة،ولأسباب يمكن حصرها في عدة نواحي منها .
تأثر الفكر الأحوازي بظاهرة الإنبهار .
هذه الظاهرة طبيعة جدا،حيث ان الثقافة العامة متيسرة عن طريق القراءة،ولكن مسألة الإبداع عملية مختلفة جدا كونها تتعلق مباشرة فيما إذا كانت الثقافة الفردية قادرة على توسيع نطاق الفكر أو تبقى في حالة الإنبهار من أفكار الآخرين .
فإذا كان القلم هو أحد مفاهيم الثقافة ،فإن عملية الإمساك بالقلم لطرح مفهوم فكري ما وخصوصا ما يتعلق بقضايا مصيرية تهم المجتمع،فلابد ان ينطلق القلم من إدراك واسع لتطلعات المجتمع،وألمام بالظروف المفروضة،وإحساس عميق بمعاناتهم اليومية،ومن ثم ثقافة مؤهلة للكتابة .
فظاهرة الفوضى الفكرية تتجلى حينما يكتب الفرد عن قضية ذاتية ويحاول أن يطرح مفهومها او يربطها بقضية عامة،وهي غالبا ماتكون أما نتيجة تحزب أعمى لجهة ما أو تحزب فردي بعض الاحيان،وبسبب موروثات إجتماعية أو بيئية،يحاول الكاتب أن يطرحها كسلبيات في المجتمع في الوقت الذي لم يستطع هو نفسه التخلص منها كونها أصبحت جزء من ذاته .
وهذه الظاهرة تتمحور في تجميع أكبر قدر ممكن من قال فلان وذكر علان ، فيقع الكاتب في مطب التناقضات .
فالموسيقي عندما يعزف مقطوعة موسيقية لغيره ،فهو ليس مبدع وإن أجاد العزف،ولو حاول العازف تجميع أكثر من قطعة موسيقية وعزفها في آن واحد فالمتوقع نشاز وفوضى موسيقية أكثر من الإبداع .
وطالما كررت مرارا مفهوم (تسفيه العقول)،وهو الإنطلاق في الكتابة من خلفية أن كل العقول المتلقية ناقصة وهي في سلة واحدة،وبالتالي من السهولة بمكان تمرير التسفيه عليهم فهناك فرق بين المقال السياسي الذي يتناول وجهة نظر ما مدعومة ببعض التصريحات،أو بحث في قضية ما مدعومة ببعض الوثائق والأرقام لتعزيزها،وبين المقال الفكري المتعلق بمعالجة قضية مجتمع فيها كثيرا من التعقيدات .
فهناك طرح فكري عام يناقش قضية إنسانية عامة،وهناك طرح فكري يناقش قضية مجتمع محدد ويعيش هذا المجتمع تحت ظروف محددة،ولابد وأن يكون الطرحين مختلفين تماما .
فالفرد هو نتاج مجتمع،والمجتمع هو نتاج صيرورة تراكمات سياسية وأقتصادية وثقافية ، وهي تختلف بطبيعتها من مجتمع إلى آخر،ولذا فإن التحدث عن المجتمع الاحوازي هي ليست قضية عامة أو مشروع كوني .
وإذا ماتصورنا أن الظرف الذي يمر به الشعب الأحوازي هو نفس الظرف الذي مر به الشعب الفلاني ومن ثم نحاول بأساليب بعيدة عن الفكر أن نقول بشكل أو بآخر أننا نستطيع إستيراد أفكار الآخرين وتطبيقها على مجتمعنا الذي لم يتولد بمفهومه العلمي بعد !!!.
فالمفكر العراقي الراحل علي الوردي،هل كانت ستكون إنتاجاته الفكرية هي ذاتها فيما لو كان العراق يرزح تحت نير الأستعمار البريطاني ليومنا هذا ولم تكن هناك دولة عراقية ؟.
هذا هو السؤال محوري والذي يميز ما بين الإبداع الفكري عند على الوردي وبين الفوضى الفكرية التي نعاني منها .
فأستغرب كثيرا حينما يستشهد بعض الاخوة بكتاب كتبوا عن مجتمعاتهم وهي في وضع لايشابه وضع الشعب الأحوازي .
فلا يجوز من وجهة نظري،طرح حلول لقضايا مجتمع نتيجة وجود سلبيات يراها الكاتب وهو لايمتلك لابدائل ولاأليات .
فحين تحدث علي الوردي عن طبيعة المجتمع العراقي فهو كان يمتلك البديل ألا وهو الدولة العراقية،فبمقابل القبيلة هناك الشعب، وبمقابل قانون القبيلة هناك هناك قانون الدولة،وبمقابل الطغيان والدكتاتورية هناك دستور .
فأنا أستنتج أن بعض الاخوة حين يكتبون يريدون أستخدام بدائل تتعلق بدولة الإحتلال وكلي ثقة أنهم لايدركون هذا،وإلا لما أقدموا على ما أقدموا عليه .
فحين يذكر البعض الديمقراطية،فعن أي ديمقراطية يتحدثون،هل هي ديمقراطية المجتمع الاحوازي أم ديمقراطية المحتل الفارسي،وكيف يمكن للعقل البشري أن يتصور هذا،ففاقد الشيء لايعطيه،فإدارت الظهر عن الحقائق لايعني أنها غير موجودة .
وطالما كتبت عن الفرق بين العيش في الهزيمة وبين الإعتراف بها لتجاوزها والخروج من تداعياتها والبحث عن فرص نصر جديدة .
فإنا أؤمن أن بداخل كل الاحوازيين الذين خرجوا كرها من وطنهم تكمن هزيمة،وإلا ماذا نسمي الهروب من الوطن إن لم يكن هزيمة، فنحن جميعا هزمنا امام عدونا ومن ثم ذواتنا، ولكن هناك فرق بين من اعترف بهزيمته ليستعيد ذاته،وبدت له الهزيمة ماهي إلا جولة وهناك جولات وصولات،وبين الذي مازال يعيش في سرداب الهزيمة ولكنه يكابر ويتجمل. وهذه حالة تخص الذين ناضلوا حقا على أرضهم وليس الذين خرجوا بطرا ثم أرتدوا عبائة القديس .
وقرأت لأخ أخر،يعتقد أن دائنا في القبيلة،وكلنا يعلم أن البديل هو المجتمع الإيراني إلا صاحب المقال .
فهناك امور لاتستقيم قبل نشوء المجتمع الاحوازي،ومن باب أولى علينا المساهمة في بناء أسس المجتمع الاحوازي ثم بالإمكان بعد ذلك طرح بدائل للسلبيات بأعتبار أن البديل موجود والألية موجودة .
والمجتمع تعريفه بإختصار واضح وهو :
مجموعة من البشر يخضعون لقوانين ودستور ينظم العلاقة فيما بينهم .
واعود لمسالة الإنبهار وأعود لمسالة الثقافة التي تؤهل الإنسان للكتابة بإعتبار أنها مسؤولية.

يتبع في الجزء الثاني من المقال .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى