رجال ومواقف

هامات شامخة – الحلقة الثانية

فاروق عبدالله

بسم الله الرحمن الرحيم

قد ننحني للريح عند هبوبها لكننا لريح لا ننقادُ

مطر العقيدة سوف يجرف افكها كل الأصابع تحتهن زنادُ

أهواك يا خير الرجال ونورهم وأراك في كبد السماء عمادا

أوقدت نار الحب حبا صادقا وقدحت في قلب المحب زنادا

القضية التي يقدم لها التضحيات تلو التضحيات وذلك في سبيل الحرية ،و مناضليها يقدمون الأرواح والأموال كل ما دعاهم الواجب, وأبطالها يستمعون لنداء وطنهم ونحيب أمهاتهم. ينظرون لنزيف شعبهم, لدموعه,لآهاته,لحسراته وينهضون ويهتفون بأعلى صوتهم لبيك يا وطن ويلاقون الموت متسابقين ويتحدون المجوس وهم شامخين, و لم يتوقف التحدي أمام المحتل بل منهم من هتفوا وقبلوا المشانق …… .

نستطيع أن نقول هذه القضية لم تمُت ولم تجُف بل أنها قضية ٌعادلة ٌوستنتصر يوما ما و إن طال زمان احتلالها ….

وجودي في تلك الجامعة(سجن كارون) مع هؤلاء الأبطال جعلني أن أكون حريصا على أخذ معلومات كافية من خلال معاشرتهم لعدة شهور جاءت لأسباب مشتركة.كنت أعرف أن هؤلاء الأبطال سيُعدمون يوما من الأيام ويدخلون تاريخ أحوازنا الحبيب ويجب أن يعرفهم شعبنا الصامد حتى أبسط الناس وذلك من خلال ما سيكتب عنهم .لذلك رأيت من الواجب القومي والوطني أن أشرح ما رأيته وما سمعته من هؤلاء الأبطال في تلك الفترة التي ضحوا بأنفسهم لأكون أنا وغيري أحرارا شامخين في وطننا وأشكر ربي الذي شرفني ومن َعلي وجعلني راويا وصديقا و أخا لهؤلاء الأبطال الميامين الذين يعتز الإنسان ويعتز في مجالستهم ومرافقتهم, فهنيئا لهم شرف الشهادة وهنيئا لهم دخول تاريخنا من أوسع أبوابه المشرعة لاستقبال أبطال آخرين يدفعون أحوازنا للأمام من أجل التحرير.

جلست كثيرا مع أبطالنا الميامين وعرفت كثيرا منهم خلال مجالستي لهم واليوم أحاول أن أشرح ما سمعته خلال الأسئلة التالية. يذكر أن هذه الأسئلة لم تكن في البداية على هذه الصورة ولكن أنا حاولت أن اكتبها بهذه الطريقة لتتناسب مع النشر وفي البداية سألت شهيدنا عن السبب الذي جعله يترك الدراسة في صغر سنه…وكان يُجيبُني ….

سألته عن سبب تركه المدرسة ؟

قال :مثل ما تعرفون نحن الأحوازيين نعاني في سن الطفولة من أسباب عدة قد تؤدي إلي ترك المدرسة وهي : 1- عدم التدريس بلغة الأم حيث لا نفهم ماذا يقول المعلم وهذا ما يعاني منه أطفال هذا الشعب العظيم 2- الضعف الاقتصادي والمعيشي الذي تعاني منه أغلبية العوائل الأحوازية 3- سكن أغلبية الشعب العربي الأحوازي في القرى والأرياف فلم توجد مدارس وأن وجدت لا يرسل معلمون لتلك المناطق وحتى إذا أرسل معلم إلى قرية ما سيكون فارسيا فكيف يشعر هذا المعلم بالألم تجاه الطفل البريء و يتعاطف معه. فدائما ما تكون نظرته كأسلافه الحاقدين علينا كعرب وتحقيرهم لنا و لأطفالنا 4 – المعلم يعامل الأطفال كجلاد في المخابرات . وذكر لي الشهيد موقفا مع جلاده وقال عندما كنت تحت التعذيب في مخابرات الاحتلال الفارسي قلت لأحد هؤلاء المجرمين أنا أعرفك ، قال كيف تعرفني ؟ قلت له أنت معلمي الدزفولي بنده زاده وفيك جميع أوصاف ذلك المعلم وبالأخص سوطك المشؤوم وكلامك المهين للشرف الإنساني و بعد ما عرف من كلامي أنني أسخر منه وفي كلامي وجهة نظر سياسية ازدادت ضرباته قسوة وعلى اثر ذلك و بعد دقائق فقدت الوعي.

في كلامك أشرت إلى الضعف الاقتصادي كأحد أسباب ترك الدراسة عند أغلب المواطنين الأحوازيين ، كيف ذلك ؟

قال :نعم ما أقصد في ذلك الضعف الاقتصادي بشكل عام و عند أغلبية الأسر العربية الأحوازية وليس ما المقصود أنا بالذات . أنا ابن حاج خلف الديوان الزركاني والكل يعرفنا وبإمكانك أن تذهب للزركان وتتعرف على أُسرتي نحن ولله الحمد (يدنا تصل إلى فمنا ) وطبعا لا أقصد أننا نعيش في نعيم . ففي أرضنا الزراعية تجد الذهب الأسود وفيها خمسة آبار من النفط ومن المفترض أن نكون من أغنياء الأحواز لا بل من أصحاب رؤوس الأموال في العالم … و لكن نصيب ثلاثة من اخوتي الأحباء البطالة و نصيب الوالد الحبيب من هذا الثروة الهائلة عمل ناطور و حاليا متقاعد وأنا و زوجتي الحبيبة نصيبنا غرفة في بيت الوالد. أما من الشعب هناك من لم يجد قوت يومه في ظل خيرات كثيرة تشكل وطننا الحبيب ينعم بها اليوم عدونا وذلك كله أمام أعيننا .

ماذا عن حياتك بعد ترك الدراسة ؟

قال : بعد ترك المدرسة غضب الوالد الحبيب علي و حاول أن يعيدني إلى المدرسة لكن لم يجد ذلك نفعا. و بعدها ذهبت إلى المخبز الذي لا يبعد عن منزلنا إلا أمتارا قليلة و بدأت بالعمل هناك ، كان عملي بيع الخبز و راتبي في اليوم خمسمائة ريال لم نكن في حاجة ماسة لها. ولكن أنا كنت أطمح في الاستقلال وإثبات الوجود و بعد شهر من الزمان تعلمت أن أجهز العجين، وارتفع راتبي في اليوم و أصبح سبع مائة وخمسين ريال (750ريال ) وخلال أقل من ثلاثة أشهر تعلمت أن أجهز الخبز فأطلقوا علي (شاتر راضي ) رغم صغر عمري في ذلك الوقت. وتعلم هذه المهنة خلال ثلاثة أشهر سبب الإعجاب عند الكثير و بقيت عام في هذه المهنة .و بعد ذلك صرت أين ما أذهب يقولون لي شاتر (يعني خباز) وكأنما تغير اسمي من راضي إلي شاتر .و عندها نبض عندي العرق العربي فلم أرتض أن ألقب بلقب فارسي وتركت هذه المهنة . ثم ذهبت إلى معمل لتصليح السيارات وخلال فترة قليلة من الزمان تغير اسمي من شاتر راضي إلى أستاذ راضي (أسطة راضي ) و من ثم عملت في معمل الحدادة و خلال فترة قليلة صرت من أفضل الحدادين، ومن ثم تكونت عندي خبرة مهمة جدا وأيضا عملت في البناء والعقارات ( بناء ،تبييض, بلاط وتبليط السطوح وفي الأخير تخصصت في عمل سطوح البنايات وبعد ذلك ذهبت للخدمة العسكرية وبعد إتمام الخدمة العسكرية و بمساعدة إخوتي في التنظيم فتحت معمل للحيم مقابل شارع دانيال كورش . في ذلك المكان كنت أنظر إلى أبنية منطقة كورش (منازل المستوطنين الفرس) وأنظر إلى منطقة الزوية التي يسكنها العرب و هي لا تبعد عنهم إلا بضعة أمتار وكنت أتألم على ذلك الفرق الشاسع بين العرب و المستوطنين الفرس و في جميع النواحي ، في الأبنية ، في السيارات ، في الملابس و….

ولكن هل أستاذ راضي الذي عرف عنه الذكاء يبقى لحاما بسيطا ؟

قال بالتأكيد لا …من باب الصدفة في يوم من الأيام جاء أحد المقاولين في بناء العمارات وطلب مني أن أعمل له أبوابا وشبابيك وبعد الأخذ والعطاء في الكلام قال أريد أن أذهب إلى فلان الأصفهاني أعطيهُ مبلغ من المال حتى بعد شهر أو شهرين يصل دوري و يصنع لي المصعد (أسانسير) للعمارة. في ذلك الحين جاء على بالي أن أصنع المصعد أنا وقلت للمقاول إذا تعطيني كم شهر من الوقت أنا سأصنعه لك . قال هل تعرف ؟ قلت له نعم ، ثم ودعني وقال باستهزاء وبلهجتنا الأحوازية المحلية أخي العزيز سويلي الأبواب والشبابيك وشكرا . فكرة صنع المصعد كبرت في رأسي وقررت أن أتعلمها في كل الأحوال ثم ذهبت إلى ذلك الأصفهاني وقلت له أنا أفضل لحام في البلد وأحتاج إلى عمل،فظروفي المعيشية صعبة جدا ومستعد أن أعمل معك بأي راتب !!! فإذا ممكن أعطيني فرصة و جربني . ولحسن حظي كان يبحث عن شخص يعرف مهنتي بالذات، لذا قال تعال غدا ولكن سيبدأ عملك من الساعة 7 صباحا إلى الساعة 12ظهرا وعرض علي أقل راتب. لا أطيل الكلام وبعد مرور أقل من شهر تعلمت هذه المهنة ومن ثم فاجأت الجميع وعملت في عدة أماكن… .

يوم العيادة في السجن جاء أحد أخوة الشهيد الذي اسمه داريوش. لذا سألته وقلت مثل ما تعرف أحد المجرمين بحق العرب الأوائل و الإنسانية هو داريوش و أحد الأسباب التي يتفاخر بها العربي و الأحوازي أيضا هو اختيار الاسم العربي الأصيل ما رأيك في ذلك ؟؟ قال : نعم داريوش اسم أحد أخوتي هذا صحيح و لم يكن هو المقصر في الاختيار ودائما كان يلوم الآخرين مثل اخوتي الكبار والوالد الحبيب على اسمه هذا وكان يسعى لتبديل هذا الاسم جاهدا و… .ولكن نحن لا نستطيع أن نلقي اللّوم على الوالد أو على اخوتي الكبار فالمقصر الأساسي هو العدو الفارسي الذي سعى إلى تدميرنا بداية من الأسماء مرورا باللغة العربية ونهاية بذوبان الهوية العربية منذ عهدالشاه المقبور إلى عهد خامنئي المسعور. وسعى جاهدا هذا النظام لسحق هذه الهوية دون هوادة. ففي عهد الشاه المقبور كان أحد اخوتي الكبار يسمع بالفنان الإيراني داريوش فأطلق على أخي الصغير الذي لا ذنب له هذا الاسم , فأصبح اسمه داريوش وبقى مضطهدا ومظلوما إلى يومنا هذا حتى في الاسم وهو لا يقل عنا حبا لعروبته ولكن يجب أن تعرف ليست الأسماء هي من تعطي الرجال مجدا , بل الرجال هم من يصنعون للألقاب مجدا وخلودا .

قلت له هل يحق للشباب الأحوازي أن يعجب بفنان فارسي مثل داريوش وغيره ؟؟

قال :أخي العزيز أنا لست مثل ذلك المجتهد الفارسي الذي يرى الأمور من زاويته الخاصة و يفسرها لصالحه ، يحلل و يحرم ويفصل بين الأسود والأبيض حسب ميوله الشخصية.فأنا اختار اللون الرمادي حتى لا أحمل الآخرين ما قد لا يستطيعون حمله.ولكن دعنا نسأل ما السبب الذي يجعلنا أن نضع خطا أحمر على من يستمع الأغاني الفارسية ؟ ورغم أنني لدي موقفي من سماع الأغاني الفارسي و ثقافة الفرس وتراثهم ،فأنا لا أريد أن نسمع الأغاني أو نقرأ بشغف تراث وثقافة الفرس ما دمنا في حالة إثبات وجود ونحن الحلقة الأضعف في هذه المعادلة لأننا لا نملك مؤسسات لنشر ثقافتنا وتراثنا و أغانينا وعندها سيتمكنون من تغيير هويتنا عن طريق هذه الأمور. ولكن رغم كل هذا فإذا كانوا هم كسائر الجيران الطيبين الذين يحترمون جيرانهم أين العيب في أن نستمع لأغانيهم عندها ستكون الأغاني الفارسية مثلها مثل الأغاني الإنجليزية والهندية وغيرها ؟ وإذا لم يحتلوا أرضنا ولم يظلموا ويهجروا ولم يدمروا هويتنا وإذا لم يكن سببا لكره هؤلاء الفرس لماذا نكرههم؟!! وبكل تأكيد لو لم تكن الأمور كما هي عليه الآن فتأكد ستجد بيننا من يستمع لأغانيهم وأفلامهم. ثم نحن لا نكرههم لمجرد الكره ولا نرفع السلاح لمجرد حبنا للسلاح ولا نذهب للمشانق لمجرد أنها مفخرة و رفعت أبطالا يذكرهم التاريخ بل نذهب ونرفع السلاح ونستشهد دفاعا عن النفس و لنكون أحرارا لنا سيادتنا وهويتنا و لنستعيد تاريخنا المجيد وسيادتنا المغتصبة. فإذا استمع أحد أبنائنا لفنانين من العدو لأنه لم يجد بديلا ليختاره يجب علينا أن لا نعتبره قد ارتكب خطأ عظيما لا يغتفر بل يجب أن نعيده إلى رشده كي لا تتسرب في أعماقه تلك الثقافة الفارسية التي يقصدها العدو. ولكن في السنوات العشر الأخيرة و بفضل الله أولا وبفضل وسائل الاعلام ، الفضائيات و… وجهود أبناء هذا الوطن العظيم ، الشباب الأحوازي عرف العشرات من الفنانين العرب واستبدل داريوش بكاظم الساهر و گوگوش بفيروز وماجدة الرومي بل أصبح الأحوازي يصنع لكل شيء بديلا… حتى استبدل أغاني احتفالاته و أفراحه بأناشيد وطنية و استغل أحزانه بتذكر ماضي هذا الشعب المجيد وتمجيد أبطاله. وحتى في الآونة الأخيرة مجالس الحسين (ع) استبدلت بمجالس نضالية و أصبح الفنان والشاعر الأحوازي رمزا من رموز المقاومة و رفعوا سلاحهم وهو الأدب العربي الأحوازي والثقافة العربية و كل هؤلاء أصبحوا رموزا للتحدي بوجه الطغاة .

سألته عن كيفية دخوله في العمل السياسي بشكل عام وكيفية إنظمامه إلى تنظيم أحوازي مسلح خاصة كتائب الشهيد محي الدين آل ناصر الجناح العسكري لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز ؟؟

قال : في بدايات الخدمة العسكرية في معسكر التدريب تعرفت على صديق من أبناء وطني وهو الملقب ب أبي( ج ) الذي كان وما زال أخ و رفيق لنا ، وبدأنا المشوار(كان الشهيد البطل دائما في الكلام يؤكد على ذكر اسم الحركة بالكامل وكان يعتز بها)

من هو أبو(ج) الأحوازي ؟

تحدث الشهيد راضي و رفاقه الشهداء حول أبي(ج) وكل رفاقه الآخرين وسوف أكتب ما سمعت و لكن لن أنشرها لأنهم أحيــــــــاء نتمنى لهم العمر المديد والاستمرار في النضال لطرد كل مجوسي من أرض الأحواز المحتلة وذلك من خلال عملهم و وفاءهم وصدقهم لرفاقهم و وطنهم الحبيب وهم أهل لها إن شاء الله .

قلت له أشرت في كلامك أنك ذهبت إلى الخدمة العسكرية لماذا تذهب إلي الخدمة العسكرية وأنت من دعاة التحرير و كما تعرف لا يمكن للمحرر أن يخدم العسكرية لنظام يحتل أرضه وشعبه وهذا ما نسمع عنه في كل أنحاء العالم والمثال فلسطين المحتلة ؟

قال :قبل ذهابي…

يتبع…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى