رجال ومواقف

الموجز في حياة حته الكعبي

جابر أحمد

 

كتبت فيما ماضى مقالة تحت عنوان “صفحات منسية من تاريخ مناضلي الشعب العربي الأحوازي” تناولت فيها القصة الكاملة لشهداء معركة مشداخ*، وفي هذه المقالة سأتناول باختصار جانبا موجزا من حياة احد المناضلين الأحوازيين الذي كان كالشوكة في عيون اعداءه المتمثلين بالنظام الشاهنشاهي والمتعاونين معه من خونة عرب وغيرهم ، بحيث عندما اغتيل هذا المناضل سارعت كبريات الصحف

الايرانية الصادرة في طهران انذاك مثل ” كيهان ” و ” اطلاعات” بنشر الخبر على صدر صفحاتها وبعنوان كبير قائلة “برونده سه هزار صفحه اى حته بسته شد!!” اي مامعناه ان اضبارة حته التي تحتوي على 3000صفحة قد اغلقت! مشيرة الى تمكنها من اغتيال هذا الثائر، ولا اقدر ان اصف الحالة التي عاشها الاعلام الايراني أنذاك الا بتلك الحالة التي شهدتها الساحة التركية ابان اختطاف الثائر الكردي عبد الله اوجلان مع الفارق الكبير بين كل من الرجلين.

الكثير من الاخوة الأحوازيين قد لا يعرفون ان اسم ” حته ” الحقيقي هو حاتم بن جعلوش الكعبي وان حته لقب اطلقته عليه اسرته وهي عادة متبعة بين بعض الأسر الاحوازية في الريف والمدينة وهي تصغير الاسم سواء هذا الاسم لرجل او امرأة مثل حسن، حسون و زهرة زهيرة ومحمد، محيميد الخ …

ان حياة الحل وارتحال في المنافي والذي عاشها النشطاء السياسيين من ابناء شعبنا العربي الأحوازي ومن جملتهم كاتب هذه السطور منذ مايقارب اكثر من ثلاثة عقود، جعلت من الصعوبة بمكان، الاحتفاظ بارشيف الوثائق والادبيات السياسية المتعلقة بتفاصيل الاوضاع السياسية في المرحلة الواقعة ما بين 1970 و 1979 ومن بينها المعلومات الكافية حول شهداء تلك المرحلة ومن بينهم شهداء “الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز – عربستان”  الا ما ندر، مع ان الجبهة الشعبية والتي كنت احد كوادرها الاعلامية كانت قد اصدرت في عام 1977 كتيبا تحت عنوان شهداء الثورة الأحوازية: شهداء الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز – عربستان، ضم بين دفَتيه سيرة حياة عدد من كوادر الجبهة الا ان هذا الكتيب شأنه شأن الوثائق الاخرى بقي مفقودا ولا ادري اذا كان احدا من مناضلي شعبنا يحتفظ به ام لا؟

وفي ظل هذا الغياب القسري لا يبقى امامنا في سرد التاريخ السياسي للمرحلة الواقعة ما بين عامي 1970 – 1979 الا الاعتماد على الذاكرة وما تبقى من ارواق التي تمكنا من الاحتفاظ بها وهي لا تكفي بتلبية كل ما هو مطلوب.

وفي السنوات الاخيرة استطاع الكاتب والمفكر الأحوازي الاستاذ يوسف عزيزي من تأليف رواية قصيرة باللغة الفارسية  مستوحاة من سيرة وحياة المناضل الأحوازي الشهيد حته اسماها ” حته ، شط ومرداب ” حتة ، النهر، والهور ” وقد طبعت هذا القصة في داخل الوطن ولاقت اقبالا منقطع النظير من قبل الجيل الأحوازي المتعلم وبالتالي تم تخليد اسم هذا المناضل في الاعمال الادبية، عل وعسى تتحسن الظروف وان يتبدل هذا العمل الرائع الى مسلسل تلفزيوني او الى مسرحية وحتى الى فيلم روائي يسلط الاضواء على جوانب كثير من حياة هذا الثائر الأحوازي المعروف.

ترجع معرفتي بحته الى ايام الدراسة عندما كنت طالبا في الصف الثامن (اواسط الستينات) الثانوي وذلك اثناء ترددي على قرية الدبات الواقعة على ضفاف نهر الكرخة والواقعة على بعد ما يقارب 3 كيلومترات من مدينة الشوش او السوس أو سوسيانه التاريخية مركز حضارة العيلاميين، وذلك بحكم الروابط والعلاقات النسبية والسببية، حيث كان يسكن حينها احد اقربائنا في هذه القرية، ورغم انني قد سمعت باسم حته من قبل، الا انني لما شاهدته مباشرة ، وعندما قالوا لي اقاربي ان هذا حتة وعليك ان تكتم الخبر، انتابني نوع من الذهول، فاخذت اتفحصه من رأسه حتى اخمص قدميه، حتى انني لاازال اتذكر نوعية اللباس الذي كان يرتيه ونوعية الحذا الذي كان ينتعلها، وقد شاهدته يحمل مسدسا صغيرا جدا لا يتجاوز حجمه راحة الكف، فسألت احد اقربائنا ماذا يفعل حته بهذا المسدس الصغير؟ فرد علي وبعفوية قائلا انه  “للمحاضن” واعتقد انه كان يقصد استخدامه عن قرب، لان من عادة حته ان يتجول في الاسواق في وضح النهار، وقد حدثني ذات مرة ان افضل طريقة للاختفاء هي ان تكون بين الناس، لذلك فانه يستخدم هذا المسدس لسهولة اخفاءه وحمله، فاذا تعرف عليه احد واراد ان يلقي القبض عليه بامكانه استخدامه لارباكه، لان المسدس كما قيل لي انه غير قاتل، الا اذا انطلقت رصاصته عن قرب على الطرف الآخر، كما واثناء جلوسنا في الديوان شاهدت بندقية كبيرة، فدفعني فضولي بالاستفسار عنها، فقيل لي انها بندقية حربية من نوع “برنو” و هي بعيدة المدى وجيدة التصويب ورغم انني سمعت باسماء البنادق في بلادنا مثل” الشوزني” او “الكسرية ” و” الطرمة ” و ” البرنو” الا انها المرة الاولى التي اشاهد فيها سلاح من هذا النوع بيد احد المواطنين العاديين.

لقد انقطعت اخباري عن حته رغم ترددي على هذه القرية بين فترة واخرى وقد استمر هذا الانقطاع حتى انهاء دراستي الثانوية وحصولي على شهاة الدبلوم في العلوم الطبيعية ومن ثم انتقالي الى العراق.

وفي العراق كان الرفيق والمناضل الأحوازي المغدور الشهيد خلف يعقوب الصخرواي هو اول من عرفني بالشهيد حته، فخلف يعقوب لم يكن مناضلا ومقاتلا وحسب، وانما كان شاعرا شعبيا متميزا، كما انه مثقف يمتلك موهبة ادبية كبيرة، الا ان الظروف لم تساعده على استغلال هذه الموهبة، وقد قال لي حينها ما رأيك ان نذهب الى زيارة جماعة من كعب الدبات او الدبيسات يسكنون في قرية تعرف باسمهم في احد الضواحي الشعبية التابعة لمدينة العمارة العراقية، وذكر لي ان حته ووالده جعلوش وبعضا من ابناء عمومتهما قد اقاموا بهذه القرية بعد ان استعصى عليهم الاقامة في الشوش بفعل ملاحقتهم من قبل سلطات الامن الايراني.

بعد خروجنا من مدينة العمارة وباتجاه الغرب انحرفنا قليلا نحو اليمين وبعد بضعة دقائق مشيا على الاقدام وصلنا الى القرية المذكورة والى منزل المرحوم جعلوش الكعبي الا اننا اثناءها لم نجد حته متواجدا في البيت، فاستقبلنا والده بكل حفاوة وترحاب، واثنائها عرفني الاخ خلف يعقوب قائلا: هذا سيد جابر بن بنت صديقكم الشيخ جبر الساعدي، فقال اكرم وانعم فسألتي عن جدي وعن اوضاعه، فقلت له ان جدي وبعد حملة نزع السلاح تعرض الى المضايقات والمهانة من قبل الحكومة الايرانية وقد جرى اعتقاله، وبعد اطلاق سراحه قرر ترك قرية “الخرابة” بعد ان ما باع كل ما عنده من مواشي وسكن في مدينة الأحواز، وما ان اكملنا حديثنا حتى جاء حته فسلم علينا وعانقنا واكثر من الترحيب والتأهيل ، وعندما عزمنا على المغادرة اقترح علينا ان نقضي ليلتنا عنده، فقبلنا بذلك.

كان حته انذاك (1970 ) شابا، كله حيوية ونشاط، متزن، مستمعا جيدا، باسم الوجه، حيوي الطلعة، وقد علمت واثناء ترددي على بيته ولقاءاتي المستمرة به وبحكم ثقافته، انه يؤمن بالطالع ويخشى الحسد والعين ويتشائم من بعض ايام الاسبوع فلا يسافر اثناءها ولا يقوم باي مهام اخرى، كما انه كان متواضعا مؤمن بالله مؤديا للصلوات الخمس، غيور ذو حمية، كما ان اقدامه وشجاعته معروفتان لدى الجميع.

لقد لعب حته ومجموعته وبعد انضمامهم الى الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز – عربستان، دورا مهما في تنشيط العمل العسكري المنطلق انذاك من الاراضي العراقية نحو الاراضي الأحوازية وذلك ابان مرحلة حكم محمد رضا بهلوي، وقد تدربت مجموعته على فنون القتال الحديثة في معسكرات الجبهة في العراق، و بما فيها الفنون التي تستخدم في حروب العصابات ولعبت مجموعته بالاضافة الى قيامها بعمليات عسكرية ضد قوات الامن الايراني ورموزها لعبت ايضا دورا مهما في ايصال السلاح عبر الجمال والخيول الى جماعات المعارضة الايرانية ومن بينهم جماعة تيمور بختيار مدير جهاز الامن الايراني المنشق على النظام الشاهنشاهي والدكتور اعظمي الذي اعلن عن قيام حركة مسلحة في جبال لرستان، كما ان مجموعته شكلت فيما بعد العمود الفقري لكتائب الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز – عربستان  التي اعتمدت الكفاح المسلح في نضالها ضد النظام الشاهنشاهي القائم انذاك.

انا هنا سوف ألخص الامور ولا اتطرق الى نهج اسلوب الكفاح المسلح التي انتهج انذاك ولكن بما اني كنت من بين الشباب الذين تأثروا بهذا الاسلوب الى حد كبير  فقد طرح المناضل خلف يعقوب على حته رغبتنا في تنفيذ فكرة ايجاد قواعد تنظيمية عسكرية ومدنية داخل المدن الأحوازية واريافها وكان الهدف من وراء هذه الفكرة وباختصار، هو تخليص القرار السياسي الأحوازي من السيطرة الامنية والسياسية العراقية، فكنا نعتقد ان ايجاد مثل هذه القواعد سوف يعطي اخواننا العاملين في الخارج حرية اكثر على المناورة و استقلالية القرار السياسي، فلم يؤيد حته مثل هذه الفكرة وحسب و انما ابدى ارتياحا كبيرا لها واضعا كل خبراته وامكانياته في خدمة الشباب.

وبعد حصول هذا التوافق طلبت من الشهيد حاتم ” حته ” ان نسافر في اليوم التالي الى مدينة البصرة للتعرف على الشباب الأحوازي المتواجد هناك وطرح الفكرة عليهم، و بالفعل تم السفر وتم اللقاء بكافة الاخوة الذين كان جلهم من جيل الشباب، وبعد انتهاء هذه المهمة عاد حته من البصرة الى محل اقامته في مدينة العمارة وبقيت انا في مدينة البصرة حيث كانت محل اقامتي انذاك، ومن حينها بقيت انا والشباب الأحوازي المتواجد في العراق على صلة حميمة مع حته واستمرت هذه العلاقة حتى الايام الاخيرة من استشهاده.

وفي هذه المقالة الموجزة لا يسعني التطرق بشكل كامل الى التفاصيل الدقيقة لحياة حته،  لان ذلك خارج عن اطارها وساكتفي مختصرا بما يتيسر لدي من معلومات حول سيرة هذا المناضل.

واضافة لما قلته من قبل، كان الشهيد بالاضافة الى تواضعه وامانته واخلاصه، كان شخصية محبوبة بين اوساط الشعب العربي الأحوازي وكان مضرب الامثال لهم في الشجاعة، وكان حسن السلوك ويتمتع بالسمعة الطيبة وهو ان لم يكن قد قرأ عن نظرية الكفاح المسلح وفنون حرب العصابات ولكن نتيجة لخبرته في مقارعة رجال الامن الايراني كان ملم في اساليب الاختفاء وفي حروب الكر والفر وكان على دراية كاملة في طوبوغرافية المنطقة وبمسالكها الى درجة كبيرة، كما انه يجيد استخدم عنصر المباغته، فعلى سبيل المثال كان ينفذ عملياته في الاوقات التي لم يكن الطرف الاخر يتوقع تنفيذها، على سبيل المثال في الصباح الباكر او في الظهيرة او عند المغيب، كما انه يجازف في عمليات الاختفاء، فقد حدثني ذات مرة انه قام بمهاجمة احد المخافر الايرانية، واختفى داخل انابيب احدى العبارات(الانهر الصغيرة) القريبة جدا من المخفر، حتى انه كان يسمع حديث الدرك وبقي مختفيا حتى حلول الظلام، اما من الناحية السياسية وصقل ثقافته في هذا المجال، فقد لعب الشهيدان حميد رحمة ” سيد فهد ” وخلف يعقوب والشباب الاخرين دورا بارزا في هذا المجال وقد قام المغفور له مع السيد فهد بعدة رحلات استطلاعية داخل الوطن احيانا تستمر الى الشهر.

ملخص مفيد من سيرة حياة الشهيد حته

ينحدر الشهيد حته من عائلة فلاحية ومن عشيرة معروفة هي عشيرة الدبيس التي هي من احدى بطون قبيلة كعب الشهيرة في المنطقة وقد اشرت في مقالات سابقة ان هذه العشيرة تاريخيا آثرت البقاء في الميناو بعد ان قرر زعماء كعب من البوناصر الذهاب الى مدينة الفلاحية والقبان لقربهما من البحر وقد ولد حته حسب المعلومات المتوفرة عام 1934 واستشهد في 20|2| 1971 وبذلك يكون قد عاش ما يقارب43عاما الا انني، اقدر ان يكون عمره الحقيقي عند استشهاده ما بين 38 الى 40 عام وذلك على ضوء المعلومات التي جمعتها فيما يخص تاريخ ولادته.

لعل السر الحقيقي في تمكن الشهيد حته من التجوال داخل الوطن دون ان تتمكن السلطة الايرانية من القاء القبض عليه هو وجود حاضنة أحوازية كانت تؤمن له ولرفاقه الملجأ والذي مع الاسف الشديد لايزال الكثير من المناضلين الأحوازيين يفتقدون له وقد قام حته واثناء مسيرة حياته بالكثير من العمليات البطولية ولا ننسى انه قد ساهم في احدى الانتفاضات الفلاحية التي قامت بها عشيرة الدبيس وقد اعتقل انذاك وعمره لا يتجاوز السادسة عشرة.

واثناء محاكمته الصورية ورغم كونه حدثا، الا ان القاضي الايراني اصدر حكما بحقه يقضي بسجنه مدى الحياة، الا انه بعد عودته من المحكمة الى سجن كارون الكائن في مدينة الأحواز، تمكن من الافلات بأعجوبة من بين ايدي سجانيه وتمكن من الهرب باتجاه البيوت المجاورة وتمكن من فتح نوافذ احد المجاري والاختفاء داخل احد حفرها وما ان حل الظلام حتى توجه الى احد البيوت الأحوازية التي تقع في ضواحي مدينة الأحواز وتربطه باصحابه صلة قرابة فبقي مختفيا هناك حتى هدأت عاصفة التفتيش، ثم توجه بعدها الى مدينة الشوش واختفى في الغابات المتواجدة على ضفتي نهر الكرخة ، حيث التحق به مجموعة من ابناء عمومته المطلوبين و الملاحقين من قبل الحكومة ، وكان يتنقل بين غابات الكرخة والدز هربا من السلطات الايرانية التي جندت كافة امكانياتها من اجل القاء القبض عليه ،ولعل اهم المعارك التي خاضها في هذا المجال هي معركة ” الردادة ” حيث افلت باعجوبة من الطوق العسكري الذي فرضته عليه قوات الدرك وانسحب بسلام بعد ان اوقع خسائر بشرية جسيمة في صفوف الدرك الايراني.

وفي اواخر الستينات وبعد ان استعصى عليه الاقامة في وطنه ترك حته الوطن باحثا عن ملجأ يحتمي به فاختار مدينة العمارة لوجود فرع من قبيلته يقطن هذه المدينة. وبقى فيها حتى يوم استشهاده.

في الاعوام الواقعة بين عام 1969 – 1970 انتمى حته الى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز – عربستان وقد قام بعد ذلك بعدة جولات استطلاعية وعمليات فدائية في داخل الوطن وخاصة في المناطق السوس ودسبول مصطحبا معه بعض الشباب الأحوازيين واثناءها جرت مصادمات بينه وبين قوات الدرك الايراني، تمكن وخلال هذه العمليات من قتل الكثير من قوات الدرك، كما قام بتصفية الكثير من العملاء، وفي احدى المواجهات التي دارت بينه وبين الدرك الايراني، فقد اثناءها اثنان من ابناء عموته العاملين ضمن مجموعته وهم كل من “فريح الكعبي ” و”حسين ناصر” .

ولعل من اهم العمليات العسكرية التي قام بها حته على الاطلاق هي تلك العملية التي استهدفت الضابط الايراني في عهد الشاه والذي يدعى بـ ” كشاورز” هذا المجرم الذي كان يدير العمليات العسكرية ضد التحركات الأحوازية، بما فيها تحركات اعضاء وكوادر الجبهة الشعبية  لتحرير الأحواز – عربستان.

و في اواخر عام 1970 وصلت معلومات الى قيادة الجبهة انذاك، تفيد بان السلطات الامن الايراني كلفت “كشاورز” بان ينهي الحالة المسماة بحالة ” حته” باي طريقة واي اسلوب يراه مناسبا، وذلك اما عن طريق التفاوض معه وتقديمه عرض للعفو عنه او في حالة الرفض تصفيته جسديا من خلال تقديم جائزة مالية كبرى لمن يقوم بهذه المهمة، واثناءها جند كشاورز احد اقرباء حته لهذه المهمة وبعد وصول هذا المجند الى مدينة العمارة افشى لحته بخطط الحكومة الايرانية الرامية بالقضاء عليه، واوصى حته ان لا يثق باي عرض تقدمه له الحكومة الايرانية لانها لا تحترم لا مواثيقها ولا عهودها .

لقد نقل حته هذه المعلومات الى قيادة الجبهة انذاك وتم تدارس الوضع للحصول على المزيد من المعلومات وعلى اثرها طلب حته من الموفد العودة الى الجهة التي ارسلته، وكلف بان يقول ان حته موافق مبدئيا على العرض، وانه يطلب المزيد من الايضاحات، منها كيفية اصدار العفو ومكان التسليم وهل يسلم حته بمفرده ام مع افراد مجموعته؟ وهل العفو يشمل الجميع او حته بمفرده؟ وقد استمرت هذه العملية شهور عدة وبالفعل فقد اتفق الجانبان على أن يسلم حته ورفاقه الاخرين البالغ عددهم 14 مقاتلا انفسهم، ومن الشروط الذي وضعها حته ان يكون “كشاورز ” حاضرا اثناء التسليم واتفق ايضا ان يكون التسليم في احد المدارس التابعة لقرى مدينة موسيان الحدودية .

اما الخطة الاصلية للتسليم فقد تقتضي بتصفية “كشاورز” ومن معه تصفية جسدية عبر مباغتتهم باطلاق النار عليهم، فانقسمت المجموعة والتي تضم 14 مقاتلا الى مجموعتين، المجموعة الاولى والتي تضم 4 اشخاص من بينهم حته هي من يسلم نفسه اولا، اما ما تبقى منها يقوم بعملية الاستناد والتدخل مباشرة بعد سماع اطلاق النار، و بالفعل تقدم حته الى المدرسة المذكور ويقال انها تسمى مدرسة “الغنيمية ” حيث كانت تتخذ كافة الاجراءات لمراسم التسليم وما دخل حته المدرسة المذكور حتى استقبله “كشاورز” ومعه شخص عربي يعمل لصالح الحكومة يسمى رمضان جعيجع وما ان تصافحا حتى باغته حته باطلاق النار عليه ثم بادر ومن معه باطلاق النار على بقية الدرك الايراني  وعلى الفور تدخلت المجموعة الثانية التي كانت كامنة الى جوار المدرسة وفي اقل من دقائق معدودة هاجمت المكان فصفي من صفي وجرح من جرح ولاذ بالفرار من لاذ ، وبما ان التسليم تم بعد اذان المغرب فقد تمكنت المجموعة من الانسحاب بسلام نحو قواعد لها داخل الاراضي العراقية دون ان يصاب منهم اي احد باذى، وقد قتل في هذه العملية الجريئة بالاضافة الى “كشاورز”، رمضان جعيجع، بالاضافة الى قتل وجرح اعداد من رجال الامن الايراني المرافقين لكشاورز .

لعل عادات الاخذ بالثار من العادات الأحوازية التي لاتزال متبعة في اقليم الأحواز، وهذه العادة هي التي اودت ومع الاسف الشديد بحياة الشهيد حته ورفاقه الآخرين، فقد استطاعت الحكومة الايرانية تحريض بعض المواطنين للأخذ بثار رمضان جعيجع وقد تمكنت الجماعة المقربة من هذا الرجل و بدعم من الامن الايراني من اختراق بعض من يتعاون معهم حته في الداخل، حيث تمكن هؤلاء وببساطة من تنفيذ عملية اطلاق النار على حته و اثنين من مرافقيه وهما شقيقه زريزير جعلوش الكعبي وموزان ضمد الكعبي وقتلهما بكل سهولة وسجل تاريخ استشهاد حته ومن معه في 20 | 2 | 1971  وبذلك تكون انطوت آخر صفحة من حياة هذا المواطن الشجاع مليئة بالكثير من الاحداث والعطاءات واغلق ملف هذا المناضل الذي بلغ عدد صفحاته 3000 صفحة حسب اعتراف الصحافة الايرانية التي اعلنت في حينها عن نبأ استشهاده.

لدي ذكريات وحكايات اخرى عن حته اذا سنحت الفرصة سوف اقوم بالكتابة عنها لاحقا.

*الشهداء هم كل من الشهيد حميد السيد الرحمة الموسوي المعروف بـ ” سيدفهد” والشهيد منصور حسين الكعبي المعروف بـ” بطو ” والشهيد حميد شنيشل الطرفي المعروف بـ “يوسف زويد” والشهيد عبد الواحد عبيد الساري و الشهيد صادق العيبي الملقب بـ” داوود ” والشهيد عبد الرزاق  الملقب بـ “عمار ياسر”  والشهيد السيد فاخرالسيد برهان الفاضلي والشهيد محمد فريح الكعبي.

ملاحظة:(اعتمد الكاتب أسم الأحواز والأهواز في المادة)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى