قد ننحني للريح عند هبوبها لكننا للريح لا ننقادُ
مطر العقيدة سوف يجرف أفكها كل الأصابع تحتهن زنادُ
أهواك يا خير الرجال ونورهم وأراك في كبد السماء عمادا
أوقدت نار الحب حبا صادقا وقدحت في قلب المحب زنادا
سألت شهيدنا البطل راضي زركاني، الآن و بعد كل البطولات التي شاركت فيها صدر في حقك من قبل محكمة الاحتلال الفارسي حكم الإعدام شنقا وهذا الإعدام في نظر المجرمين الفرس الذين ارتكبوا مجازر كبيرة بحق شعبنا الجبار و راح ضحية لجرائمهم آلاف الأبرياء ما رأيك بهذا الخصوص ؟؟ قال:
في الماضي عندما كنا أحرارا بين شعبنا الأبي كنا نصف العدو الفارسي بصفة وهي تدور و تتداول بيننا دائما ونستخدمها في الصغيرة والكبيرة ضد عدونا المحتل الفارسي وهي صفة المجرمين الفرس. ولكن عندما اعتقلنا هذا المجرم المحتل انقلبت الآية ضدنا وصار الحق باطلا والباطل حقا فاختلط الحابل في النابل هنا ! و أصبح المجرم المحتل ينادينا بصفة المجرمين في كل صغيرة وكبيرة.
أذكر في فترة التحقيق، هذا النوع من الكلام سبب لنا حالة نفسية سيئة وخلق فينا ثورة من الــ (لا) الرافضة لكل ما يخص الاحتلال و( نعم ) التي تعبر عن الضعف الطبيعي في قلب أي إنسان، فاعتقدنا أنه مازالت عند هذا العدو ذرة من الإنسانية تصارع الإجرام الكامن في داخله ومع الأسف الشديد كان موقف الــ ( لا ) في بعض الأحيان أضعف من النعم في تلك اللحظات العصيبة.
مرت لحظات وانقضت أيام و أشهر فأصبحنا في سجن كارون وجاء يوم الاثنين وكان أفضل أيام الله حيث عيد السجناء معايدة الأحباب. كانت القلوب تلهف من شدة الفرح والعقول تأمر العيون على البكاء من شدة الشوق لرؤية الحرية وجاءت عائلتي ومن ضمنهم زوجتي الحبيبة فاطمة و تعانقنا معا جميعا وتداولنا الكلام , بداية مع والدتي الحنونة ثم مع أختي الطيبة و زوجتي الحبيبة. و أتذكر زوجتي حين قالت وبكلام جريح يا راضي تسرق بنوك وتفجر الأماكن وأنا لا أعلم ؟ وبكلام مليء بالحزن و بلحن من المزح قالت بلغة دارجة … جا اشتريت لي إعبية يا طيب… وبعد أن أخذتني الصفنة للحظات حصلت على جواب المجرمين, في زنزاناتهم وبدأت الـــ ( لا ) تسترجع مكانها الحقيقي و تزداد قوة لأنها لها مبرراتها و مسوقاتها القانونية والإنسانية و الأخلاقية.
يعتقد المحتل الفارسي أنه بإعدام أبناء الأحواز قد يقضي على المقاومة ويعتقد أيضا أنه يستطيع أن يجمد هذا الفكر التحرري المتصاعد في أوساط هذا الشعب الجبار وبكل تأكيد بعد إعدام أي أحوازي سيولد في مكانه العشرات من المخلصين المتفانين لقضيتهم.
نحن لم نكن مجرمين، نحن طلاب حق، لكننا نقبل في الحياة إذا كانت كريمة و إن أراد الاحتلال أن يسمينا, بالمجرمين فهذا شأن كل محتل غاصب مجرم في العالم وذلك للقضاء على الشعوب الواقعة تحت الاحتلال.
نعم أصدر علينا الحاكم المحتل حكم الإعدام شنقا وهذا لا يحق له أبدا مهما كان فعلنا لأننا أسرى و نقاوم المحتل و نمثل إن لم أقل الشعب كله فشريحة كبيرة من الشعب تقف معنا. و لسنا مجرمين, نحن فعلنا ما كان يريده الشعب منا , فالأديان السماوية تشرع مقاومتنا و القوانين الدولية تساعدنا أن ندافع عن قضيتنا , نحن لسنا مجرمين لكي ينفذ الإعدام فينا , المجرم دائما يطرد من قبل الشعب ولا يتلقى أي دعم من الشعب و لكن نحن نحب الشعب والشعب يحبنا أيضا و دليلنا على ذلك، إننا نتحدى المجوس إذا سمحوا للشعب أن يرفع جنائزنا فقط لكي يرى ما هي علاقة الشعب فينا, لا يستطيع الاحتلال أن يقضي من خلال إعدامنا على هذا التحدي الحاصل عند جماهيرنا , فإن أعدم واحدا يولد في الأحواز عشرات .
ما هي وصيتك إلى عائلتك الكريمة وإلى شعبك ؟ ما هي وصيتك إلى اصدقائك وإلى رفاقك في النضال إذا نفذ الإعدام بحقك ؟؟
أقول لعائلتي العزيزة أحبكم جميعا و أحب الحياة و لا أحب الوداع وأعشق الوطن أيضا وكان شعاري : أموت ويحي الوطن , كان شعار و حاولت بما أستطع أن أطبقه في العمل واليوم جاء وقت الامتحان الحقيقي فلا تغضبوا مني إن ودعتكم بهذه القسوة. إيماني في الله عالي وطريقي هو الحق فلا تقبلوا أن أواجه الموت بطريقة لا تليق بعائلتي و بشعبي. أطلب السماح منكم جميعا إذا عصيتكم بأمر ما وعلى الأخص أطلب السماح من والديّ العزيزين لأنه قال تعالى : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ” فأفضل عمل للإنسان بعد الله هو شكر الوالدين لأن مقام الأم مقدس ومقام الأب عظيم .
و إذا كنت أحب الحياة و لدي أمل فيها، بعد شهادة رفاقي على يد الحاقدين لم يبق شيء من هذا الحب و الأمل في الحياة. نداء أرواحهم يعذبني, صورهم لم تفارقني لحظة, وصاياهم كانت ترن في مسامعي وأنا تحيطني الجدران هنا ولا أحرك ساكنا. لا هيهات أن أقبل بهذه الحياة .
أنا اعتز بعائلتي وأهلي وهذا أمر طبيعي ولا يحتاج لدليل و وصيتي إلي أبناء منطقتي وأبناء شعبي هي أن يتركوا جميع الخلافات التي لا تجدي نفعا وأن يتكاتفوا ويبذلوا كل طاقاتهم ضد عدو واحد وهو المحتل الفارسي ولا أطلب منهم أخذ الثأر من أجلنا فكل ما قدمناه هو واجب شرعي و دفاع عن الوطن بل أطلب منهم أن ينهضوا من أجل نيل حقوقهم المسلوبة و أرضهم المغصوبة والتصدي للويلات التي تزداد يوما بعد يوم من قبل المحتل الفارسي.
أما وصيتي للأصدقاء، اذكرونا في الخيرات و إقرأوا رسالتنا في النضال للشعب و للجيل القادم.
أما وصيتي إلى رفاقي في النضال أعتقد أنه لا حاجة لها فلا حاجة للإنسان أن يوصي نفسه نحن أجساد متعددة بروح واحدة كنا وسنبقى إن شاء الله.
لكن وصيتي الخاصة و من قلب مجروح إلى مناضل همام وفارس مغوار و هو أخ و صديق” الرفيق ( ع ) ” أقول له عندما كنا نتحدث حول قضيتنا العادلة في يوم من الأيام قلت لي إذا أستطيع أن أجمع عشرة أشخاص مؤمنين لحد الشهادة بتحرير وطننا سنكون ورقة صعبة ضد الاحتلال الفارسي وسنجعل الأرض تهتز تحت أقدام المحتلين وأقول له أخي الحبيب أنا وجدت العشرة الذين كنت تأمل أن تجدهم وعذرا إن لم عرفتك بهم ولكن مشيئة الله ساعدت لكي تكون أنت حيا و تسير في طريق تحرير الوطن وهم الشهداء: علي (أبو سلمى ), عبدالله (أبو جهاد), خلف (أبو زيدان), عبد الأمير (أبو ياسر), مالك(أبو نزار), محمد(أبو عمار), علي رضا عساكرة (أبو حسن), قاسم سلامات (أبوعلي), ماجد (أبو جليل ), و مع الأسف الشديد كان الوقت متأخرا عندما عرفت الشهداء الأبطال الآخرين : ريسان الساري و محمد لفتة الساري وجعفر الساري وعبدا لرضا الناصري و…. والجميع مؤمنون لحد الشهادة و ينظرون إلى الدنيا ما هي إلى متاع الآخرة كأسلافهم الخالدين, الصلابة في الموقف إحدى ميزاتهم.
كنت و مازلت أرى فيك جميع أوصاف القائد الظافر, المدير المدبر, الناصر المنتصر وها أنت اليوم أمام الحقيقة إن كنت صادقا ولا أشك في ذلك أبدا وإن تبحث عن عشرة فرسان اليوم قد تحصل على العشرات و أؤكد لك، بل المئات من الفرسان بفضل الله تعالي أولا وبفضل العقول النيرة من أبناء هذا الوطن الجريح. أرجو أن تلبي كلمة الشهيد خلف دهراب أمام الجلاد المجوسي عندما قال: بعد عامين أو أقل سوف تنطلق كتيبة, من كتائب محي الدين الناصر باسم ولدي زيدان وستلقنكم درسا لن تنسوه أبدا فهذا ليس بعيدا. آمل أن تكون أنت قائد هذه الكتيبة و أقول لك أخي الحبيب أيضا أن التاريخ يسجل, ليس فقط اسماء الأبطال والمناضلين الذين يواجهون المعضلات بحزم و إرادة قوية ويتحدون الموت لنيل العزة والشرف بل يكتب و يسجل أسماء الضعفاء والجبناء الذين يواجهون المعضلات بالبكاء و يقولون لا حول ولا قوة لنا….. و يتناسون قول تعالي: و نفخت فيه من روحي صدق الله العظيم
و أختم بكلام الشهيد راضي الزركاني رحمه الله و هو : و وعد الحر دين.
إن شاء الله سنبدأ بكتابة ذكريات شهيد آخر من شهداء الأحواز المحتلة….
2008-5-29