المقالاترجال ومواقف

الشموخ والتحدي

ح بنت الأحواز

 

“ح” بنت الأحواز فتاة تبلغ من العمر 15 ربيعا تنتمي إلى أحدى العوائل المناضلة في الأحواز كان احد أقربائها أسيرا في سجون الاحتلال الفارسي مما اتاح الفرصة لها أن تلتقي بالشهداء قبل استشهادهم وترتوي من ينبوع إيمانهم حيث تأثرت بهؤلاء الإبطال تأثيرا كبيرا وتعاهدت مع الله والوطن أن تسلك طريق الشهداء وان تحمل وصاياهم إلى العالم وها هي اليوم تروي إلينا عبر حلقات ذلك التأثير الكبير من حياة الأكرم منا جميعا….

عام1977م لم يكن عاما عاديا حيث ازدهرت وردة تحمل عطر النضال والجهاد في مدينة الأحواز العاصمة ولم يكن أحد يعلم أن من ولد في هذا العام سوف يساهم في تحطيم أسوار الاحتلال. كانت الأحواز في ذلك العام منتفضة ضد جبابرة الطاغوت في إيران وأبت أن تسكت أمام غطرسة من نادى “نم يا قورس(كورش) فإننا أحياء” أرادت الأحواز وشعبها أن ترسل لذلك الكسروي(الشاه) المتجبر ألف رسالة مفادها أن اخرس فما زال سعد وخالد والمغيرة أحياء،فانتفض أبناء الأحواز ليخرسوا ذلك الكسروي الجبان وامتزج حليب أم أمير بالبارود والدخان المتصاعد من المعركة الدائرة في الشوارع ومنذ حينها تعلم أمير اللغة التي يجب أن يكلم بها أعدائه المجوس.

أكمل الشهيد دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة الأحواز و الأحواز كانت تؤمن  أن العاشق لن يجد حبيبته إلا بعد أن يذوب في حبه لا بل أن يقتل في سبيله لأن الحب الحقيقي قاتل والعالم لن يصبح عالما إلا وأن يتولد لديه حب المعرفة لما يجري من حوله و المناضل لن يصبح مناضلا حقيقيا إلا و أن يعرف طرق النضال النبيلة فيسلكها, فأتت الأحواز إليه من أقصر الطرق لكي ينقذها من أسرها.

في البداية فتحت عينيه لكي يرى الظروف المعيشية القاسية و الصعبة التي لحقت به كما بالشعب العربي الأحوازي, شعب عيلام الأبي, من قبل أبناء كسرى العدو الذي أنزل أنواع الخطط السياسية و الاقتصادية والثقافية على هذا الشعب الوحيد و الأعزل. وبسبب كل تلك الظروف التي كان يمر بها الشهيد الأسد ,غادر الأحواز باحثا عن حياة أفضل, مع أنه كان يعرف( لا حياة لمن يعيش تحت الذل) وبات يعرف بشكل جيد مدى معاناة أمه ,لهذا بدأ الفارس التحرك نحو التحرير ذهب وسكن مدينة الحضارة والتاريخ تستر.فالارتباطات التي كانت تجري بينه وبين الشباب الأحوازي كانت تؤكد دائما وأبدا على رسوخ  الفكر القومي والثقافي و التوعوي خاصة بين الشعب العربي الأحوازي.

أراد الشهيد  الأمير بتوعية الشعب أن  يطرد المحتل المتغطرس ولم يكن يريد الأحواز وردة يأتي النحل من كل مكان كي يأخذ من شهدها الطيب الجميل ولم يكن يريد الأحواز زورقا تحركه إرادة الأجنبي الدنيء ولم يكن يريد الأحواز أن تطعم الغريب ويبقى أبنائها جائعين ولم يكن يريد أبناء الأحواز (صم بكم عمي لا يفقهون)بل كان يريدهم  سدا منيعا  وقوة رادعة بوجه كل غاصب محتل.

انتمي الشهيد البطل إلى حركة النضال العربي لتحرير الأحواز فناضل من خلالها بكل ما لديه من قوة ,بقوة إيمانه وقوة سلاحه. كان الشهيد دائما مولعا مفعما بالحماس واليقظة في نفس الوقت .كان جنديا مطيعا عند تلقيه المهام وكان جاهزا ومستعدا أتم  الاستعداد لكل مهمة يتلقاها, ينفذها وكأنها الأولى ,الفرحة لا تسعه و كأنها فرحة العيد فلمجاهد مثله كل الأيام التي ينفذ فيها عملا بطوليا فهي أعياد  لأنها  تقربه أكثر نحو التحرير.

صبره ولغته وأيضا بندقيته كانت  دافعا قويا له لملاقاة الفرس الدخلاء, فرافد  الحضارة و العراقة و شلال الفكر والقلم لا يأبه بهؤلاء العجم . حبه للوطن كحب الليل للقمر,كحب الطفل للمرح, كحب الورود للنسيم, كحب الكاتب للقلم .إن الشهيد لم يكن يريد أن يصبح بطل رواية  تقرأها الأجيال فقط  بل همّه الوحيد كان إنقاذ شعب بأسره من الغرق .

في عام(1999)نجح الشهيد الباسل الأمير من جامعة تستر بفرع علم  الاجتماع .كان الشهيد أميرا بتواضعه وخشوعه للشعب وللوطن ,و إيمانه بالقضية الأحوازية لا ينافسه أي إيمان.ظل يناضل حتى أعتقل في عام(2006)من قبل العدو الغاشم.العدو الذي يريد أن يدمر كل نفس تنطق باسم العروبة و الأحواز لكن النمر الجريح لم يتزعزع  إيمانه بالله سبحانه وتعالى و بقضية  الأحوازية العادلة ولو للحظة واحدة.

بعد طول صبر وانتظار دخلت من بوابة السجن, دخلت متلهفة لكي أرى الأسير ورفاقه,دخلت وأعرف أن الفرحة ستنتهي لأنني لن أراه بعد .لاقيته مع رفاقه  أبطالا كواسر أردت كتابة كلمات لهم لعلها تصف قطرة من بحر نضالهم طلبت من الشهيد قلما و دفترا فوجدت فيه شعرا و أحاديث و آيات قرآنية كريمة فخجلت الكلمات و أبت أن تخرج من دليلي عندما رأت الشهيد كاتبا:(الحمد لله الذي خلقني عربيا مسلما)

 

الشهيد في آخر يوم عند الوداع

أعبدك يا زنزانتي الصغيرة

أعبدك لأنني أعرف أنك طريقي إلى الجنة

وأنك طريقي لملاقاة ربي ورسولي

و أصدقائي (علي ومالك و عبد الله)

و قائدي(محي الدين )

وكل شهيد قبلي أو سيأتي من بعدي

صباح الخير يا شمسي

كم تبدين صغيرة من وراء هذه النافذة الصغيرة

أريدك أن تنيري زنزانتي أكثر فأكثر

لكي أغيب في نورك لأنني سئمت الظلام

ومساء الخير يا قمري الذي تسهر معي كل ليلة

كأنك أمي لأنني بالفعل اشتاق لأمي

سلم لي عليها فأنا ذاهب لكي أنام

أنام على أرض السجن الباردة

لعلني أغرق في النوم

فأجد نفسي ولو للحظة واحدة  بين أحضان أمي الدافئة

 

اكتبي أيتها الحيطان

اكتبي تاريخ نضالي ونضال أصدقائي

لعلها تصبح منارة الأجيال

اكتبي كم ليلة أمضيت هنا

لعلها تصبح نهارا للأحواز

اكتبي للفرس أيضا

إن زوّرتم تاريخي فحاضري هو تاريخي

وإن مسحتم هويّتي فلغتي هي هويّتي

وإن قتلتموني دمي سيروي نخل العروبة في أرضي

اكتبي أيتها الحيطان و بخط  كبير

لا تسقني كأس الحياة بذلة             بل فاسقني بالعز كأس الحنضل

كأس الحياة  بذلة  كجهنم                 و جهنم  بالعز أطيب  منزل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى