المقالات

الإرادة الشعبية تكسر حواجز التعتيم

الشهيد أحمد مولى

من دروس التاريخ التي تعلمناها أنه للمستبدين و المستعمرين حالات نفسية تختلف عن الآخرين يظهر ذلك في تصرفاتهم وتجاه من يحكمون أو يستعمرون ، لم يشاركهم أو يقلدهم أحد إلا القليل من الجهلاء الذين كٌتبت عليهم الضلالة و في بعض الحالات  التكبر و الاستعلاء على الآخرين و الاضطهاد و حب الجاه و التجبر و العنصرية و…. ولكن في أحيان كثيرة  مروا بحالات  أيضا لم يشاركهم فيها أحد و ذلك عند ما تشتد و تضيق بهم السٌبل جراء ما اقترفت أيديهم من مظالم و جرائم بحق خلق الله و أخذهم العزة بالإثم و بدلا من أن يراجعوا و يحاسبوا أنفسهم وأن يرجعوا إلى صوابهم أصبحوا يرتكبون جرائم وحماقات تعجل في نهايتهم و النماذج التاريخية في هذا المجال لا تعد و لا تحصى.

      في هذا السياق يعد النظام العنصري الفارسي نموذجا ً حيا ً لحديثنا المذكور آنفا ً حيث شهدت ساحة مواجهتنا معه في الآونة الأخيرة تغييراً مفاجئا في أسلوبه العدواني التقليدي في مواجهة المناضلين داخل الأراضي المحتلة حيث كان مصير المعتقل في أسلوبه القديم أو السابق ( مهما كانت الأسباب و الدوافع للاعتقال، سياسية أو ثقافية ) التعذيب الجسدي و النفسي و من ثم يحاكم محاكمة صورية و مفبركة و بعيدة كل البعد عن المعايير و القوانين الدولية. و تكال ضده الاتهامات كذبا ًو افتراءً و بعد ذلك حسب مزاج و رغبة عناصر المخابرات يحكم بالسجن الذي تختلف فيه الأحكام و تتراوح من عشرة سنين إلى السجن المؤبد أو الإعدام شنقا ً حتى الاستشهاد. في هذه الأيام بدأ الاحتلال يتخذ أسلوبا ً جديدا خلافا ً لما كان عليه في الماضي القريب منه و البعيد. و هذا الأسلوب الجديد الهمجي والوحشي   يثبت  شوفينيته و عنصريته أكثر من ذي قبل.

      أنْ تقوم عناصر المخابرات الفارسية المدججة بالسلاح على مداهمة منازل المناضلين و تعتقل ما تشاء من الأبرياء العزل و تقتادهم إلى جهات مجهولة ثم تغتالهم تحت التعذيب الوحشي و تلغي بأجسادهم الطاهرة في الشوارع أو في الأنهر أو تبلغ أهلهم باستلام جثامينهم الطاهرة من الطبيب الشرعي في المدينة فهذا أسلوب خطير يمارس ضد أبناء شعبنا المقاوم يستوجب منا الوقوف ضده وكشفه للعالم لتتم محاربته من قبل قوى الخير الإنسانية جمعاء. كما يذكرنا هذا الأسلوب بالمجازر التي ارتكبها هذا النظام المعادي للعروبة و الإسلام في العراق الشقيق بنوايا فارسية صفوية دفينة تنساب من أكتارها سموم الفتنة و التفرقة و الانشقاق بين أبناء الشعب الواحد. و على هذا الأساس أن العمل الإجرامي ضد أبناء شعبنا  يأتي  ضمن سياق الخطط المدروسة و الممنهجة و الهادفة للنيل من عزيمة شعبنا الجبار و تطوف وراءه خطط فارسية لا تقل دناءة عن خططه السابقة.

       لكن دائما كان هنالك من بين الشعب الأحوازي من استطاع ويستطيع أن يكشف الكثير من هذه الجرائم الخبيثة  التي يرتكبها الاحتلال الفارسي بحق شعبنا. لهذا سياسة  الدولة الفارسية التوسعية و نظامها الشوفيني الذي لم تغير مساره الإجرامي الوجوه المختلفة التي اعتلت فيه سدة الحكم ، كانت و لا تزال تتمثل بالكتمان على كل ما يدور في ساحة النضال و مجريات الأحداث التي تجري معها فعادة ما يحيطها الاحتلال و يجعلها في دائرة من السرية التامة و يعمل بكل الوسائل و الطرق على غلق الأبواب خاصة على النخبة الواعية من أبناء شعبنا و ذلك ليغيب صوتها عن العالم الخارجي من جهة و عن عامة شعبنا العربي الأحوازي داخل الوطن من جهة أخرى. و للأخيرة أهمية أكثر لأن الاحتلال كان  يخشى ثورة شعبنا المناضل إذا ما أدرك ما له من حقوق مغتصبة عند هذا العدو المحتل. و لهذا كان يبذل ما يستطيع ليبني جداراً ً فاصلا ًبين النخبة من أبناء شعبنا و بين عامة الشعب طوال العقود الماضية من عمر احتلاله.

       في واقع الأمر ما كان يدور في جبهتنا النضالية التحررية هي معركة بين العدو من جهة و بين النخبة الواعية المناضلة التي كانت تتمتع بمعلومات وافية حول قضيتنا العادلة من جهة أخرى. لذلك كان العدو يسعى جاهدا ً على عزل هذه النخبة عن الشعب و حصرها في دائرة محدودة كي لا تصل الحقيقة بتفاصيلها لعامة الشعب و يعم الوعي الجميع.  لهذا كان يضرب جموع المناضلين المثقفين بلا رحمة و يتكتم على أخبارهم بالطرق المختلفة.  و بما أن هذا العدو الغاشم كان يعرف شعبنا معرفة جيدة و له في هذا المجال دراسات متعمقة حول طبيعة مجتمعنا و ما فيه من حمية و نخوة وطنية و شيمة عربية  تأبى الرضوخ للذل و الهوان، كان يخشى يقظته و يتجنب سياسة المواجهة و الاستفزاز لأنها و حسب فهمه للقضايا السياسية تنتقل بشعبنا إلى مرحلة متقدمة من النضال قد تدخله بالاعتراف المباشر أو غير المباشر بوجودنا كشعب له مكوناته التاريخية و الثقافية و يطالب بحقوقه الشرعية المغتصبة و هذا بكل تأكيد يصعب على نظام لا يفهم لغة المنطق و السلام.

     ولأنه لا يمكن لشعب حي تضرب جذور أصالته في عمق التاريخ و الحضارة الإنسانية و يناضل و يذود بالغالي و النفيس من أجل استعادة مكانته التي يستحقها أن يموت أو أن تتزلزل إرادته أو تتضعضع استقامة مناضليه الذين ترعرعت نفوسهم الأبية في ربوع الكرامة اليعربية، أصر شعبنا  و كان له ما يريد ،حيث أعطت إرادته  ثمرها  فتمكنت النخبة المناضلة من كسر قيود الاحتلال و هدم جدار التعتيم و التكتم  الفاصل بينها و بين الشعب تدريجيا وذلك من خلال عمل دؤوب سلكت فيه كافة السبل التوعوية والتثقيفية.  فتمكن شعبنا أن يفرض إرادته و يدخل ساحة النضال الأمر الذي حاول العدو منعه طيلة عمر احتلاله للأحواز، فلم يبق اليوم أمام هذا العدو خيارا آخر لمواجهة سيل نضال شعبنا المتدفق إلا اغتيال النشطاء و المناضلين من أبناء شعبنا المقاوم تحت التعذيب و المجاهرة بهذا العمل في وضح النهار لترهيب و تخويف شعبنا المناضل المجاهد الذي عزم على حسم المعركة مع هذا العدو المحتل بالنصر المؤزر مهما كلفه الأمر من تضحيات. و في النهاية سيدخل الاحتلال الفارسي مرغما ً مرحلة الاعتراف  بقضيتنا العادلة والإذعان لها. المرحلة التي كان يخشى الوصول إليها منذ عقود طويلة. وسيعترف بسيادة الأحوازيين على أرضهم بأذن الله تعالى عن قريب في ظل استمرار الانتفاضة و المقاومة الباسلة بعطائهما السخي من أجل تحرير الأرض و الإنسان الأحوازيين.

25-1-2008

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى